sliderمقالات ورأي

من معَ غزواني؟!

من الواضح أننا ننتج نفس التجربة: “عزل قبطان السفينة والتخلص منه لاحقا”. ونظل نتقاسم نفس المزايا ونفس المراتب بشكل دولاني، ونخلق ظروف الثراء تلو الأخرى لأبنائنا وأحفادنا في المناصب والمآثر والفرص والحظوظ، تاركين مشاكل البلد تتلبد، وأغلب أهلها على الهامش.

المشكلة دائما تبدأ من السنة الثانية عندما يتم وضع الرئيس في ظلام لا يرى سوى ما نريد، ولا يسمع ولا يثق سوى فيما نقول، وبفضل تسبيحنا بحمده وتقديسنا له نعزله عن الآخر، ليس من ناحية تقليص تواصله معه فقط، بل من ناحية الإقناع والثقة في غير نظرتنا وحلولنا التي نحمّلها كل تزويق، نحن خاصته ومعاونيه الأهم، فعليه أن لا يفهم سوى ما نقوله له نحن بلغتنا التي نَحبِك بها كل شيء: مؤامراتنا ضده وضد الوطن. وهكذا نحمله كل خطايانا وأوزارنا حتى يصبح رميه، كقربان للجماهير المحبطة في نهاية المطاف، هو أهون الأمور، بل مشروعا لأنه طلب جماهيري، ونبدأ في التدوير من جديد. إنه سار تعودنا عليه ولا نعرف سواه.

خلال سنتين التقى غزواني أغلب الطيف الوطني، وتخللت تلك اللقاءات تسوية للكثير من الحقوق والقضايا العالقة، وتم إنصاف وتبني قرارات وطنية. على تلك الخلفية، أخذ كل الناس صورة ملائكية عن الرجل: انفتاحه، استعداده للتعاون والتشاور، استعداده لحل المشاكل العامة والخاصة. وهكذا غمرت صورته الفاضلة هذه كل الناس، وفتحوا له فترة السماح على نحو غير معتاد، لكن ما الذي تغير بعد ذلك حتى تبدأ الصورة المهيبة لغزواني تتصدع لدى الرأي العام؟ هل ساءت معاملاته؟ هل تغيرت أريحيته واستعداده لمساعدة الناس؟ هل وقف دون إنجاز أو تنفيذ مشروع وطني؟
ذلك ما لم يذكره أحد من الطيف السياسي. إذن ما الذي حدث؟
يبدو أن غزواني ركز على عنصر الثقة في اختيار معاونيه وحكومته و”نظامه” قبل العناصر الأخرى. وكان ذلك بالطبع من ضمن نفس النظام السابق، غير أن ذلك -بكل موضوعية- كان من دواعي المرحلة، لكن -وبعدما تم تحديد الاتجاهات في الملفات الكبرى، وبرزت إشكالات ورهانات جديدة تتطلب خبرة وعلما- هل أننا لم ننتقل من تلك الظروف إلى ظروف مختلفة تتطلب دخول عناصر أخرى أكبر وأهم من عنصر الثقة لوحده؟

من الواضح أن الثقة في الكثير من تلك الأوقات لم توضع في محلها، ولذلك نلاحظ أن كل الأعباء لم تبرح أن بقيت على كاهل الرئيس غزواني. وهكذا فإن كل الأمور تنطلق من عنده وقد حصلت على حلول أو تعليمات بالحلول، وتنتهي دورتها، لتعود إليه دون أن تجد أي تنفيذ. وهكذا ظلت التعهدات في الغالب، سواء تلك التي أخذها أمام الملأ في خطاب رسمي أو تلك التي اتخذت باسمه تنفيذا لبرنامجه أو تلك التي أخذها لأشخاص، ترتد إليه دون أن تصل للحل النهائي أو المرضي لأن قوة الموثوق فهم تكمن في أن يظلوا قادرين على إقناعه بالمماحكات التحريفية ليفعلوا ما يريدون بشأن ما يقوي مراكزهم وأهميتهم بجانبه خاصة إذا انفلتوا من المحاسبة التي هي استبدالهم بمن هو أفضل في أداء تلك المهام، وهكذا يظل التغيير دائما ناقصا، ويظل الحسم هو الآخر ناقصا، وتظل الأمور تتراكم فوق رأسه كصاحب المسؤولية الأوحد في كل الأمور حتى يأتي الوقت لنحمّله مسؤولية كل شيء ونرمي به خارج اللعبة ملفوفا بتبعات هلعنا وفشلنا.

هذه الوضعية -على نحو ظالم- خلقت تفسيرات وتخمينات مرتبطة بإعادة تقييم غزواني واجتراح صورة جديدة له، رغم أن القاعدة لتلك الصورة وضعها ولد عبد العزيز من خلال تقييمه له قبل مغادرته للحكم، لكن الجديد هو الديناميكية التي بدأت تأخذها هذه الصورة، هل لأن هناك من يجد ردة فعله فيها؟ وكيف وجدت مناخا كهذا؟ ولمصلحة من إعادة انتاج هذه الفكرة أو التصور عن غزواني سوى إضعافه وإضعاف قبضته وفض الإجماع الذي حظي به على نحو فريد من بين كل رؤساء البلد التسعة السابقين. إن طابورا كبيرا امتد إليه الامتعاض من تلك الوضعية وهو يلاحظ الأمور تسيير على نحو لا يدعم ولا يمت لبرنامج غزواني بصلة، فماذا تراهم فاعلون!!..

الرئيس غزواني كشف أثناء الحملة الرئاسية عما يملك من قدرات، وطلب من داعميه من النخبة مساعدته في الباقي من أجل تنفيذ برنامجه وتعهداته ووضعِ التصورات والخطط، ومنذ انتخابه وهو يدعم شرعيته السياسية، ويقدم الدعم الكامل والصلاحيات الواسعة لمعاونيه، ويستثمر في مناخ السلم والمبادرات الإيجابية، ويحاول إنتاج رؤيته الخاصة المتمحورة حول القضايا الاجتماعية، فماذا قدم داعموه الذين يعتقدون أنهم انتخبوه، وأنهم أحق الناس به، وأنهم هم نظامه، وأنه من محظياتهم؟! ومع ذلك يظل السؤال المشروع في وجوههم: أين الفاعلية؟ أين البرامج التنموية؟ أين مساعدتكم للرئيس؟.. إننا بواسطة جردة الحساب بعد سنتين، نلاحظ ما يلي: خلال السنة الأولى تم تعيين حكومة ذات رأس مهني كبير وذات قاعدة ثقة، وقد أخفقت على نحو لا يصدق، وحفاظا على أنفسهم وضمن منطقة النجاة من الإخفاق بسبب الثقة التي يملكونها بعلاقتهم بالرئيس، تم تغيير جزئي في الحكومة وجيء “بما يردُّ فم الكأس” من القدرات الوطنية: أي القدر الذي لا يغير من مناخ عدم النجاعة الذي يفرضه وجودهم في دفة القرار، ولهذا استمر الوضع على ما هو عليه من عدم فعالية وعدم وظيفية غير اعتياديين بالنسبة لعدد من القطاعات ويَنُمّان عن فقدان القدرة على تقديم الحلول والتصورات. لم نتحدث عن أي عبقرية ولا عن تفكير خارج المألوف، فقط عن القدرة على تنظيم عمل الحكومة وخلق نسق لبرنامج الرئيس ووضعه في خطة واقعية تشكل جدول عمل للحكومة حسب الأولويات، غير أنهم غير قادرين على ذلك: فقط متابعة وسائل التواصل الاجتماعي وتكذيبها .
واليوم نلاحظ أن ماكينة إنتاج المشاكل والمعضلات أكثر فاعلية وسرعة من ماكينة حلها، وماكينة المباغتة أسرع من ماكينة الاستباق. إذن ماذا أضافوا لغزواني وهم يضربون عليه الطوق!

الواقع أنه ليست هناك إضافة بقدرما هناك هدر للوقت.

إن على غزواني أن ينتبه إلى أن برنامجه برنامج وطني، ومن أجل ازدهار وتطور ونمو البلد، وليس لجماعة معينة، وليس حكرا عليها، وبهذا ليس من المفيد، بل يعد خطيرا إبعاد الكفاءات لأنهم ليسوا من أرومة حزب الشعب ومتوالياته التي أفضت إلى حزب الاتحاد. وسيجد في النهاية أنه ضيع الكثير من الفرص على نفسه، وأنه دخل نفس المسار. وحينها سيعرف -عكس ما يراد له أن يفهم- أنه لم يكن معه أحد!!!! مع بعض الاستثناءات على كل حال .
محمد محمود ولد بكار

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى