sliderمقالات ورأي

مأمورية ألغاز أم ترتيب أوراق ؟/عبد الله ولدبونا

أعدت قراءة مقال الكاتب الوطني الكبير سيدي عالي بلعمش المعنون بمأمورية الألغاز ؛ و قد اختلف معه في زاوية الرؤية السياسية لما يجري في الوطن وأتفق معه أحيانا.

ليس مطلوبا تطابق وجهات النظر بين حملة الهم الوطني ؛ فالاختلاف محرك أساسي لرواكد الفكر والإبداع.

صحيح أننا تابعنا فتح ملفات عديدة وإغلاقها بصورة مباشرة أو غير مباشرة دون تحقيق الهدف السياسي المنشود من خلف فتحها؛ والقاعدة السياسية تقول لاتفتح ملفا لا تستطيع إغلاقه .

ولا يمكن حسم الملفات الوطنية الكبرى بنصف قرار كما أنه لايمكن أن تنتصر بنصف معركة ؛ فإما أن تخوض المعركة كاملة بكل استحقاقاتها أو لا تدخلها أصلا.

معركة الحرب على الفساد هي معركة لم تخض الدولة وطيسها أصلا لننتظر فيها انتصارا ؛ ومعركة الإصلاح الإداري انطلقت متأخرة بعد أكثر من نصف المأمورية ؛ ولم تتضح ملامح نتيجتها بعد ، فقد أعلن الرئيس بوضوح حربه على فساد الإدارة ممثلا في فساد الخط الحكومي الأول فيها ؛ لكن هدنة مبكرة وقعت مع الفساد الحكومي بإعادة الثقة في وزيرها الأول ؛ وإعادة الثقة في 18 شخصية قيادية سئم الشعب الموريتاني احتلالها للواجهة دون جدوى ؛ واستدعاء شخصيات الفشل من ذاكرة عهود تقبل الشعب الموريتاني إسقاطها بالانقلابات لكثرة ماعبثت بأحلامه.
لقد سقط معاوية وحكومته بانقلاب ؛ وإحكومته جزء من مبرر الانقلاب عليه ؛ وسقط عزيز وحكومته بانقلاب انتخابي ؛ سرعان ما تجلى في خصومة المرجعية ولحنة التحقيق البرلمانية ؛ وكان ذلك رافدا قويا لدعم الرئيس غزواني ؛ فبأي منطق سياسي حكيم يعاد تأهيل طواقم الفشل تلك ضمن حكومات تعاقبت بسرعة في عهد غزواني ؟.

شيء محير تماما أن تعلن معركة إصلاح سرعان مايتم تفريغها من محتواها ؛ وكأنك تجرد دباباتك من جنازيرها وذخيرتها ثم تدفع بها إلى خط النار.

ويندفع المشهد السياسي إلى قتامته المزمنة ؛ وانفتاحه على المجهول ؛ وفشله في خلق أفق تفاؤل ؛ بل يتم انكماش ذلك الأفق بدرجة متسارعة.

ومن الخلل العميق في اللعبة السياسية أن نجعل من الرئيس السابق قطبا سياسيا وخيارا مطروحا لدى بعض الرأي العام ؛ باتخاذ محاكمته ومصادرة ممتلكاته أولوية قصوى ؛ وكأنه هو الوحيد المسؤول عن حال بلدنا !

لقد تمت إدارة هذا الملف بكثير من قلة الخبرة السياسية ؛ والخبرة في إدارة الملفات ذات البعد الجماهيري ؛ وأدى ذلك لإعادة منح عزيز مساحة سياسية كان يبحث عنها وهو حر طليق ؛ فصنعت له وهو سجين !

شخصيا لا أرى أن ملفات العشرية تمثل أولوية قصوى ؛ فهي ككل الملفات السابقة لرجال حكم دارت عليهم الدوائر.

إن الأولوية العليا هي للتغيير في ظل الاستقرار ؛ تغيير حتمي لابد منه ؛ فإما أن يقوده الرئيس غزواني بحزم وحكمة وصرامة أو يكون من ضحايا التغيير القادم لا محالة.

والفرصة الأمثل للتغيير في ظل الاستقرار متاحة بقيادة الرئيس غزواني إذا أراد اقتناصها.

تبدو المؤسسات العسكرية والأمنية في كامل دعمها له ؛ وكذلك نخب الوطن الواعية رغم تذمرها من أداء فريق عمله الرئاسي والحكومي ؛ لكن وتيرة الإنجاز بطيئة ؛ ولوبيا الفساد السياسي حوله تتغول على حساب لوبي الإصلاح لغياب ميزان العقاب والمكافأة ؛ وعش دبابير الفساد في كل وزارة وإدارة لم يتم غزوه بقرارات الإصلاح الصارمة.

ولقد كانت المقاربات السياسية التي أديرت بها ملفات الابتزاز المزمن لبلدنا مقاربات غير ذات جدوى ؛ فلا التقرب من التيار اليميني بكل مكوناته أتى بنتيجة بل تغول الخطاب المعادي لثوابت الهوية وأسس الوحدة الوطنية وثقافة المواطنة ؛ وابتعدنا كثيرا عن دستور الجمهورية نحو دستور محاصصة عرقية وقبلية وجهوية مقيته.

والمؤسف أنه لم يعمل على إنتاج خطاب سياسي ناضج جامع مانع خال من مرتكزات وآليات الخطاب السياسي المتخلف الذي سبب مانحن فيه من وهن في الرؤية والطرح والتخطيط.

إن الخوف من التغيير هو سر فشل أنظمتنا المتعاقبة ؛ والتغيير سنة كونية تحكم ديناميكية العوالم كلها ؛ وبدونه يتعفن العالم ويضمحل .

قد تكون هناك قراءة أخرى لما اعتبره الأخ سيدي عالي لغزا ؛ وهي أن هذه المأمورية الأولى للرئيس غزواني هي مأمورية ترتيب أوراق أملا أن يعبر نحو المأمورية الثانية بقدرة كاملة على إطلاق مشروعه التنموي الجاد لبلدنا ؛ لكن مانتابع الآن من إعادة تموضع لفريق الصراع حول الرئيس ؛ وما تدار به دفة الإدارة من رتابة ؛ والخلل المختفي حول سلبية التوازنات ؛ وتفاقم المغاضبة داخل أغلبية الرئيس ؛ وقصور أداء الحزب لحد التلاشي؛ واستفحال الفساد المقنع والمكشوف ؛ كل ذلك يجعل الوضع أشد تعقيدا في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة .
ويبقى خيار دعم الرئيس غزواني للانتصار على كل التحديات ؛ هو الخيار المعقول للخروج من دوامة الفشل وعقد تخلف بلدنا عن ركب الأمم ؛ وعلينا كنخب وطنية أن نلوح للرئيس بخيارين ؛ خيار دعم الإصلاح الشامل بقيادته ؛ أو خيار معاقبته عبر صندوق الانتخابات ؛ فلابد لكل رئيس جمهورية أن يدرك أن في الوطن موالاة ناصحة تكافئ الرئيس على الإنجاز وتعاقبه على التفريط في الاستحقاق الانتخابي القادم.

والله خير الناصرين

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى