sliderعرب وعجم

تحقيق حول السجون السرية للمخابرات في مالي

جمعت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية شهادات من معتقلين سابقين أبلغوا عن أعمال تعذيب في أماكن لا وجود لها قانونيا في مالي.

تبدأ الصحيفة تحقيقها بقصة 5 أشخاص اتهموا بالتخطيط لانقلاب عسكري وزعزعة استقرار الدولة، فتقول إنهم “في عداد المفقودين” منذ أسابيع، لكن مصيرهم واضح لكل أحد في مالي، فالضباط الثلاثة والمدنيان تلاشوا فجأة خلف النوافذ المظلمة لسيارات دفع رباعي سوداء لا تحمل أرقاما، ولم يجرؤ أحد -منذ ذلك الحين- على السؤال علنا عن مصيرهم خوفا من الانتقام.

وتضيف أن المحامين المدافعين عن هذه الثلة خرجوا عن صمتهم يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للتنديد -في بيان- باعتقال موكليهم غير القانوني الذي نفذته بين السادس من سبتمبر/أيلول والرابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضيين المديرية العامة لأمن الدولة في مالي.

وأضاف البيان أن هؤلاء الخمسة قدموا في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي -بعد “احتجازهم في أماكن سرية، وتعرضهم للتعذيب”- لكتيبة البحث التابعة لقوات الدرك “لإجبارهم على التوقيع على تصريحات انتزعت منهم تحت التعذيب”، إذ اتُهموا جميعًا بـ”محاولة زعزعة الاستقرار، والتآمر على الحكومة وتشكيل عصابة إجرامية”، بحسب المحامين الذين ذكروا أن موكليهم مسجونون الآن في مركز للحبس الاحتياطي في باماكو.

مديرية الأمن الداخلي

وهذه القضية الأخيرة -وفقا للصحيفة- تلقي الضوء على انتهاكات المديرية العامة للأمن الداخلي -التي أعيدت تسميتها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتصبح “وكالة أمن الدولة الوطنية” (ANSE)- وهي جهاز المخابرات المالي الذي تتمثل مهمته الرسمية في حماية الدولة ومؤسساتها.

وتقول لوموند إن هذه الوكالة -منذ إنشائها عام 1989- استمرت في لعب دور الجناح المسلح الحصيف للأنظمة السياسية المتعاقبة، وهي تعمل خارج القانون، لإسكات الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا، كما أن سجونها السرية هي أماكن اعتقال غير قانونية، ولا يُسمح لأي منظمات غير حكومية أو مدافعين عن حقوق الإنسان بدخولها.

ولفتت الصحيفة إلى أنها عندما تواصلت مع الجهات المعنية بهذا الشأن، لم يرد عليها لا المدعي العام ولا وزارة العدل ولا رئاسة الجمهورية.

أما بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان، فإنهم يبرزون مثلا إحدى الحالات ذات الدلالة الخاصة وهي مصير ذلك الشاب المالي الذي حاول يوم 20 من يوليو/تموز الماضي مهاجمة رئيس المرحلة الانتقالية، العقيد أسيمي غوتا، بسكين كبير في مسجد بباماكو.

وقد اعتقلت المخابرات ذلك الشاب ليعلَن بعد ذلك بـ5 أيام أنه “مات، مع الأسف”، بحسب بيان حكومي جاء فيه أن حالته الصحية تدهورت “في أثناء التحقيقات”، وقد تم الإعلان عن نية لتشريح الجثة في أعقاب ذلك، لكن مرت أشهر ولم تعلن أي نتائج بشأن ذلك، وفقا لما جاء بالصحيفة.

وينتقد رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أجيبو بواريه، الذي يسجل المزيد والمزيد من الشكاوى بشأن “الاختفاء القسري مع الاشتباه في تورط أمن الدولة” قائلا: “عندما يتعلق الأمر بأمن الدولة، يغض الجميع الطرف عما يحدث”.

ومع ذلك، يقول بواريه، فهي آلة تعذيب، ورغم ما قيم به للتنديد بأعمالها فهي مستمرة في ذلك، إذ اختفى قسريا -وفقا لبواريه- 6 أشخاص عام 2018، و9 في عام 2019، ثم 12 في عام 2020، والعدد نفسه عام 2021.

ويؤكد بواريه أن هذا غيض من فيض؛ لأن معظم الحالات لا تكون موضوع شكاوى، لأن عائلات المختفين تخشى من الكشف عن نفسها.

صندوق أسود
وتقول لوموند إنها تمكنت من الوصول إلى ملفات معينة تتألف من رسائل مكتوبة بخط اليد أو مطبوعة مرسلة من المحامين أو أقارب المختفين الذين هم أحيانًا رعاة في وسط مالي، أو جنود أو تجار تجزئة رقيقو الحال في باماكو. ولا أحد يدري أي شيء عن مصير ذويه المسجونين.

كما أنه لا أحد يعرف شيئًا عن مصير المفقودين أو حالتهم أو حتى عددهم، “إنه صندوق أسود، محكم الإغلاق”، كما يصفه أحد ممثلي حقوق الإنسان في باماكو، والذي يؤكد أن السلطات حرمته مرة أخرى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من الوصول إلى مكاتب المديرية العامة للأمن الداخلي.

وقد تمكنت لوموند من مقابلة 10 من المعتقلين السابقين، بعضهم مكث لمدة تزيد على العامين، والبعض الآخر لعدة أشهر في تلك السجون السرية في ظل نظام الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا، وبعضهم زج به فيها بعد انقلاب أغسطس/آب 2020، وتقول إنهم كلهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأسباب أمنية، لذلك تم تغيير أسمائهم الأولى وحجبت تفاصيل معينة من ملفهم عن قصد، وفقا للصحيفة.

معاملة وحشية

وتورد قصة اثنين منهم، فتنقل عن موظف في باماكو -أطلقت عليه اسم إينوسا- قوله إن حياته قلبت رأسا على عقب عام 2017، بعدما أجبره رجال يرتدون بذلات سوداء على ركوب سيارة دفع رباعي بدون لوحات، بتهمة تهريب سلع ليجد نفسه مقنعا لا يستطيع الرؤية ومقيد اليدين، قبل أن يقول له أحد الضباط: “هل تعلم أن حياتك من اليوم قد انتهت؟” ويمكث هناك عامين كاملين من دون محاكمة.

ويصف هذا السجين ما وجده أمامه، حيث كان في الداخل نحو 20 سجينًا، بعضهم متهم بالإرهاب وآخرون بتهريب المخدرات، وآخرون بتزوير التأشيرات أو صيد الحيوانات البرية، وكلهم في وضع مزر على أسرة تزاحمهم فيها أنواع الحشرات.

ويضيف هذا السجين: “كنا نصرخ كل يوم نطلب منهم إرسالنا إلى المحكمة”. وفي كل مرة، كان رد السجان الرد نفسه: “هنا، لا يوجد قانون، نحن القانون”. وتعلق الصحيفة على حال هذا السجين السابق، قائلة إن رعشة ساقيه ويديه تعكس صدمته التي استمرت أكثر من عامين قبل أن يطلق سراحه، بعد أن أرسله أحد الضباط أخيرًا إلى قاض لم يجد أي مخالفة تستدعي سجنه أصلا.

ويؤكد إينوسا أن 5 من المعتقلين معه على الأقل ماتوا متأثرين بجراحهم، وهو ادعاء -تقول لوموند- إن العديد من المعتقلين السابقين أكدوه.

أما موسى -فبعد مرور ما يقرب من 4 سنوات على إطلاق سراحه- لا يزال جسمه يحمل آثار مروره عبر الزنزانتين 4 و5، فلديه جروح في المفصل، وكتلة ورمية في الرأس، وإصبع مبتور وندوب على أطرافه، وهو يدعي أنه قضى عدة أسابيع “مغطى الرأس، وكانت يداه وقدماه مربوطة إلى خشبة مغروسة في الأرض، في حفرة، لا نوافذ فيها، في مكان مليء ببق الفراش والفضلات”، مشيرا إلى أنه عندما رفض الكلام أوسعوه ضربا حتى أغمي عليه، ليختم بالقول بغضب: “ما يحدث هناك هو معاملة وحشية.”

المصدر : لوموند

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى