sliderالمبتدأتقارير

إنهم يخدعونك سيادة الرئيس

نواكشوط ـ الحرية نت: منذ اعتماد المسار الديمقراطي التعددي في موريتانيا مطلع التسعينات، لم يحدث ان حصل مرشح لرئاسة الجمهورية على شبه الإجماع الذي حصل عليه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خاصة وأنه ترشح من داخل اغلبية كانت تدعم نظاما قائما، حكم البلاد لما يزيد على عقد من الزمن، مسلحا بخبرة لايستهان بها في مجالي الحشد وخوض الانتخابات مكنته من الحصول على تزكية من بعض المغاضبين الممتعضين من التهميش والغبن طيلة تلك الفترة.

هذه التزكية دفعت لفيفا من الطيف المعارض لاستغلال اللحظة بحثا عن مكاسب حرم منها لعقود، مراهنا على استعداد الرجل ومكانته التي تميزه عن رفاق دربه.

توهان وجني لمكاسب نضال انتفت مسبباته

هذا الدعم لم يستغل ليتناسب مع اجماع بحجم 52%، فمنذ تسلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الحكم بدأت التمايزات تتضح للعيان وأصبح كل قوم بما لديهم من مكانة سياسية فرحون، تطورت الأمور وتسارعت نظرا لفقد البوصلة الجامعة، حتى وصل الأمر درجة حدوث  صراع داخلي، يطبعه ترقب وصمت مريبين تطلب من البعض اللجوء إلى أساليب الحركات السرية بداية الثمانينات لفك شيفرته.

الهدف المشترك لتلك المجموعات هو الحصول على حظوة من الرئيس وإيجاد موقع قدم  في دائرة صنع القرار، بل ان بعضها اختصر الطريق باستغلال النفوذ المصطنع، مستخدمة لقاء الرئيس أو مدير ديوانه لتحقيق أهدافها.

تسارعت الأحداث وتم إلهاء الرئيس والخلص من شيعته بملفات ستشغل الرأي العام طيلة مأموريته، مثل محاربة الفساد ومحاكمة النظام السابق، فكانت تلك الخطوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر الإجماع، محدثة تصدعا سياسيا حقيقيا بين مكوناته، فارتهن البعض لإرادة شخصيات نافدة تطمح لمستقبل سياسي كانت قد بذلت الغالي والنفيس من أجل ايجاد موطئ قدم لها دون جدوى في الحقبة الماضية، بينما فضل البعض الآخر جني مكاسب نضال قديم لم تعد ظروفه ومسبباته قائمة، فيما تسلل الباحثون عن المصالح الشخصية في زحمة التوهان، والمفارقة انهم أبقوا على مظاهر الإجماع لكنه هذه المرة مزيفا وصامتا، حيث انخرط الجميع في لعبة خداع مكشوفة افرغت كل خرجات الرئيس وانجازاته من محتواها، وتقديمها بوجه غير الذي أريد لها، في استهداف واضح لناخبيه، وتم من أجل ذلك اصطناع حالة من خيبة الأمل لدى المواطنين، نذكر منها كأمثلة بادية للعيان.

  • ـ رفع الجمركة عن بعض المواد الأساسية كمساعدة في تخفيف اثار جائحة كورونا والتي لم تنعكس اطلاقا على اسعارها في الاسواق ليستفيد منها الموردون وكبار التجار بدلا من المواطن، لذلك لم يسمحوا بتسويقها إعلاميا.
  • ـ  التقسيمات النقدية والعينية التي أمر بها الرئيس وسلكت سبلا شتى غير الذي أريد لها وأصبح أكبر مستفيد منها هو شركات الصيرفة الخاصة.
  • ـ تولي الدولة تكاليف المياه والكهرباء ليتسلم المستهلك بعد فترة السماح فواتيره مضاعفة وحصل نفس الشيء مع الضرائب.
  • ـ خطاب الاستقلال بمدينة اكجوجت والذي اعلن فيه من بين إجراءات اخرى مضاعفة رواتب المتقاعدين، مباشرة تم تنظيم حملة اعلامية ملفتة للإنتباه، طالت المؤسسة العسكرية وليست من اختصاصهم، ويعرفون جيدا أن الرئيس هو الأجدر بترتيبها لخبرته في المجال، لكن هدفهم كان شد انظار الساحة عن انجاز يستهدف الطبقات الهشة والمحرومة، بل إن المستفيدين أنفسهم تم ارباكهم خوفا من تثمين الخطوة أوالإشادة بها.
  • ـ خطاب الإقلاع الاقتصادي الذي كان بمثابة المقصلة التي جز عليها رأس الوزير الاول محمد ولد بلال، فبدلا من أن يكون يتضمن برنامجه الذي سيقدمه بعد اربع وعشرين ساعة تلك الرؤية الاقتصادية، أشاروا على الرئيس بتضمينها في خطاب رئاسي، حتى يتمكنوا من وأده إعلاميا، مشكلين بذلك حاجزا ولو نفسيا بينه ووزيره الأول الذي لم يحط الرحال بعد، لتتلاحق الأنشطة العدائية لبرنامج الرئيس بعد ذلك، وتتم ملاحقته بالتعمية الإعلامية والتقليل من شانه في كافة المنابر والصالونات المعبئة خصيصا لذلك.

6 ـ قاموا بتفخيخ أكبر انجاز عرفته البلاد وهو توفير التأمين الصحي لما يقارب ثلث السكان، حيث افرغوه هو الأخر من محتواه نظرا لانعدام الآليات والبنى التحتية الصحية الازمة لتنفيذ المكسب بل وعدم توفر خدمات مؤسسة التامين الصحي على امتداد التراب الوطني، والتي بدت عاجزة عن تغطية احتياجات المستفيدين مما تسبب في نتائج عكسية وأدت المشروع وهو في مهده.

7 ـ   قضية الجسور، حيث تم تحاشي جسر مدريد من قائمة الجسور التي شرع في تنفيذها، خاصة وأن الجهات المختصة قالت انها راعت حجم وكثافة استخدام التقاطعات الطرقية في العاصمة.

فمهما كانت الأسباب فلا مبرر اطلاقا لتجاهل هذا التقاطع الذي يربط بين عدة ولايات سواء داخل العاصمة أو خارجها، بل وبدول الجوار جنوبا وشرقا، كما أنه من المشاريع التي تركها النظام السابق دون أن تنجز، مما يمنحه الأولوية للفت الانتباه وإحداث الفارق.

وبإجراء مقارنة بسيطة بينه والجسور المزمع انجازها والتي لازالت رغم مرور أشهر عدة على وضع حجرها الأساسي، نلاحظ البون الشاسع والأهميته الفائقة لملتقى “مدريد” حسب معطيات وزارة التجهيز، حيث تمر على ملتقى مدريد  43 ألف سيارة يوميا وقت الذروة، فيما تمر 7 آلاف فقط على محور بامكو و23 ألف سيارة على محور الحي الساكن.

للأسباب الآنفة سعى البعض إلى حجبه كي لا يبرهن النظام الحالي وبإنجازات واضحة للعيان مضيه قدما في قطع أشواط مهمة، خدمة للوطن والمواطن.

أمل اللحظة الأخيرة

تلك مجرد امثلة وغيرها كثير، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في السيطرة على الماكينة الاعلامية حتى لاتعكس زخم الإنجازات الكبيرة للجمهور المستهدف، محاولين قدر الإمكان صناعة حاجز من عدم الثقة بين الرئيس والخلص من المؤمنين بوطنيته، الذين تمت محاصرتهم في الزاوية لاحول لهم ولاقوة، عاجزين حتى عن ابداء الموقف والرأي، بسبب إبعادهم عن الطوق حتى لا يسمع غير ما يريدون هم، كما طالت أياديهم جميع العاملين في القطاعات الحكومية والذين أصبحوا مجرد رهائن يخضعون لمخططاتهم التي هي مجرد تراكم لسنوات من الفساد والدهاء والخذلان.

إنهم يخدعون الرئيس ويتلاعبون بمصالح البلد، فهل سيتدارك الموقف إن كان في تطلعه لمأمورية ثانية من أمل.

الحرية نت

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى