طريق نواذيبو (الشيخ زايد) عبثية وتدمير وأشياء أخرى
طريق نواذيبو، طريق المطار، طريق الشيخ زايد، كلها أسماء تطلق على الشارع الرابط بين ملتقى طرق القدس وجسر مطار نواكشوط الدولي “أم التونسي”.
تم إنجاز هذا الطريق في ظرف قياسي لاستقبال قادة الدول العربية أثناء احتضان موريتانيا لأول قمة حضرها عدد معتبر من رؤساء وزعماء جامعة الدول العربية، ورغم سرعة الإنجاز ورمزيته، كان الطريق مكسبا وطنيا، شيد بمعايير احترمت مواصفات الطرق السيارة أو السريعة في شبه المنطقة، حتى لا نقول العالم.
انبهار بالجديد
وكعادة الموريتانيين شهدت الأيام الأولى لتشييد الطريق اهتماما ورعاية مميزة من خلال استخدام وسائل الصيانة من سيارات التنظيف وكنس الرمال والأتربة، وإن كان تستخدمها في غير وقتها المناسب، حيث كان ذلك يته في ساعة الذروة فينتشر الغبار في الأرجاء لتزعج السيارات والمارة.
لكن هذا الاهتمام لم يدم طويلا فالعادة تحولت إلى ممارسة، الجميع من أجهزة الدولة والمؤسسات الخاصة بل وحتى البيوت جبلت عليها، لا وجود مطلقا لبند اسمه صيانة الأدوات والوسائل المستخدمة، المبدأ في الثقافة الجمعية الموريتانية هو عدم التفكير فيما هو آت “الصبح فيه مولانا” ومن قال عكس ذلك؟.
من هنا بدأت الطريق تلقى مصير المعالم الأخرى، كملتقى طرق البراد الذي تلاشى مجسم “مواعينه” فذهبت الكؤوس ضحية ثقافة الفوضى المنظمة، وبقي البراد يتيما، وعلى شاكلة تلك العبثية سقطت إشارات المرور، وجفت شجيرات الزينة التي استجلبت من موطنها الأصلي البرازيل، لتلقى مصيرها المجهول، في صحراء انتصرت دون عناء على أحفاد الرجال الزرق.
وبدا الطريق موحشا ومقفرا، لا مساحات خضراء على جنباته تمكن الزائر وساكنة الغابة الإسمنتية المسماة تفاؤلا عاصمة، بالتنزه مع أطفالهم بعيدا عن روتين الحياة.. وحده البحر ورمال الصحراء وساحة الحرية، تستوعب من يجمعون شتاتهم لماما، يصرخوا نحن نتألم ننشد فضاء مفتوحا لا تتكسر فيه نظراتنا المثقلة بهموم الحياة، مظاهر يجسدها الهروب من المجهول إليه، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
رقص على حطام المدنية
رغم مضي 60 سنة على استقلال بلادنا، لازال الموريتانيون يلتقطون سقط المدنية ينشدونها مكرهين، وحين تتجسد واقعا، يدمرونها بعبثيتهم البدوية.
السالك للطريق نحو بوابة العالم الخارجي، طريق تعددت أسماؤه ولم تتفرد صفاته، يدرك وللوهلة الأولى أنه في بلد العجائب.
شاحنات نقل الرمال والحجارة والمحار، تسلك نفس المسار وأحيانا في اتجاه معاكس، وأخرى تحمل فضلات الصرف الصحي، تتمثل قول الشاعر “أشبهت حالك حالي وحاكى عذري عذرك”، جميعها تنخرط في جوقة تدمير شارع الشيخ زايد، تنثر الأتربة والحجارة على السيارات القادمة من المطار، ومن عاصمتنا الاقتصادية، بل قد تصب صرفها الصحي على طول الطريق، وعلى وجوه الذين قدر لهم السير خلفها.. أصحابها لا يحكمون غلق مواسير التفريغ ويستعجلون التخلص من حمولتها قبل الوصول إلى المكان المخصص للتفريغ خارج العاصمة.
وعلى جنبات الطريق تغلق سيارات نقل القمامة النتنة رصيف المارة فتتخذه حظيرة تأوي إليها لتفسد على عابري السبيل والقلة من ممارسي الرياضة غالبتهم يعانون من ارتفاع في الضغط أو فشل في البنكرياس.
من المسؤول؟
في خضم هذه الفوضى يجد المواطن المتضرر نفسه حائرا، لمن يلجأ ومن المسؤول عن صيانة والحفاظ على المظهر الحضاري التجمع الحضري المسمى بالعاصمة.
هل هي بلدية تفرغ زينة، أم جهة نواكشوط، حتى رجال الأمن “أمن الطرق” حين يتم تنبيههم بأن سيارة قادمة اتجاههم تنثر الرمال أو الحجارة أو مياه الصرف الصحي على طول الطريق، يكتفون بالتفرج عليها دون توقيف صاحبها، الذي لا يحترم القانون والمعايير المحددة والمنظمة لعمل مثل هذه السيارات، بل وتشعر من إصرار ممارسي هذه العبثية، أنهم فوق القانون، وأن هناك جهات تحمي تدميرهم لكل ماهو إيجابي.
هذه الفوضى وغيرها، ولدت ماركة مسجلة موريتانية، تنم عن اللادولة واللامواطنة، هي عبارة “ألسنا في موريتانيا” أو على الأصح، “نحن امالنا في موريتاني” التي يرددها الأجنبي حين يلاحظ عليه أنه يخالف القانون بتصرف معين، كعدم احترام إشارة المرور، أو سلوك اتجاه محظور.
هذا الواقع يعود إلى تخلي الدولة ورجالاتها عن تطبيق القوانين، وترك الحبل على الغارب للدهماء، ولا يتوقع في أفق قريب تغيير هذه المسلكيات، في ظل غياب العقوبة والمكافأة، وخلق دولة المواطنة، التي تجعل أي موريتاني يفتخر بالانتماء إليها.
الحرية نت