سيليبابي والمنتخب الإيطالي!
تلك المدينة الرائعة التي لا تعرف قيمتها إلا حين تغادرها وتودعها حيث يصل بك الحنين والشوق لها إلى حد أن تكون فيه قريبا من البكاء، سيليبابي أو ول أعليبابي كما يحلو للبعض تسميته قدم لي كل شيئ يمكن أن يقدم لأي غريب وذلك يعود إلى كرم أهله وطيبتهم، كانت مدينة صاخبة تعج بالحياة وتحتضن الجميع لا تفرق بين أبناء الوطن لا تسأل من أي أرض أو جهة قدمت يكفيها أن تكون مواطنا موريتانيًا هكذا شعرتُ عندما وطأت قدماي أرضها ربيع 2004 في يوم مغبر من أيام شهر مارس المتقلب، حتى المعارف والأصدقاء الذين أكتسبتهم لم يكونوا أصدقاء ومعارف فحسب وإنما أخوة وأحبة وكل شيئ، فقد كانوا بعيدين كل البعد من التآمر والدسائس رغم أن فترة الطفولة تمتاز بهذه الصفات ولازلت أتذكر تلك الليلة التي كُنا نشرب فيها الشاي تحت القمر فوق سطح منزل أحد الأصدقاء وأثناء حديثنا عن المسلسلات التاريخية والمدبلجة والصور المتحركة ويتخلله بعض النقاشات حول الكرة الأوروبية كالدوري الإسباني والإيطالي والإنكليزي وفي أثناء هذه النقاشات “البيزنطية” قررنا بدون مقدمات أن نشكل فريقا لكرة القدم وقمنا بتسميته “بالمنتخب الإيطالي”، كانت الفكرة من حيث المبدإ عبثية وجنونية، وقمنا بشراء ملابس الفريق وأمضينا أسبوعين نتدرب لم نكن جيدين بطبيعة الحال وكنا نحتاج لبعض الوقت لكي نستطيع منافسة بقية الفرق كفريق “المحترفين” وفريق “النزاهة” وفريق “العدالة” كانوا جميعا أكثر منا خبرة ومهارة وأقوى بدنيا نظرا لتدريباتهم اليومية على عكسنا تماما لأننا كنا منهمكين في كل شيئ باستثناء ممارسة الرياضة وفي عطلة الأسبوع نركز على شرب الشاي والسمر مع نقاشات عديمة الجدوى والفائدة حول كل شيئ وفي كل موضوع وكنت دائما أقول لهم أن جوزيف بلاتر رئيس “الفيفا” أنذاك يحذر من الإفراط من شرب الشاي ويعتبره سلبي على الرياضي الناجح، المهم أننا لم نكن بذلك السوء كما كنا نعتقد فبعضنا يمتلك مهارات ممتازة ولكنه فاقد للياقة البدنية وهذا أمر طبيعي وكنت للأمانة أسوءهم من حيث المهارات الفنية لكني كنت أعوض ذلك برشوة مدربنا الذي كان “نافظا” إلى أبعد الحدود حتى أنه من تحمسه جعلني القائد الفعلي للفريق وأنا الذي لا أملك من مقومات القائد إلا كثرة الصراخ أثناء المباراة ولكني تقمصت هذا الدور بشكل بديع مع الوقت، وبعد أسبوعين من التدريبات القاسية والصعبة تحت شمس سيليبابي الحارقة لعبنا أول مباراة ضد فريق”المحترفين” وكان ذلك بتنسيق مع رفيقي الدراسة والدرب Mini Sidemouو Taleb Moktababe اللذان يلعبا في فريق “المحترفين” وكانوا أقوى منا وبشكل واضح وصريح سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي أنتصرنا بهدف سجله اللاعب الفنان أطول عمر الذي يلقب ب”أوين” تيمنا بالمهاجم الإنكليزي السريع مايكل أوين كان هدفا رائعا وفي توقيت مبكر فسيطر فريق المحترفين على اللقاء كما كان متوقعا وأعتمدنا على الخطة الدفاعية الإيطالية العتيقة “كاتناتشو” فلكل شيئ له حظ من إسمه وانتهت المباراة بفوز مفاجئ لفريقنا “إيطاليا” وبعد أسبوع واجهنا فريق “النزاهة” لم تكن نزهة لنا ولم نفهم شيئا صراحة في تلك المباراة وكانوا سيهزموننا بكل سهولة وبنتيجة كبيرة وقياسية لولا تدخل يد الحكم الذي كان منحازا لنا بشكل لا لُبس فيه فقام بطرد أثنين من لاعبي الخصم وأحتسب ركلتي جزاء مشكوك في صحتهما لفريقنا وأثارت تلك المباراة ضجة كبيرة وجدل طويل بسبب قرابة الحكم منا وهي قرابة حقيقية وفعلية وبعدها أصبحنا فريق محترم ومعروف في حي “سيلو” يفوز ويخسر وتلك هي حال كرة القدم وبعد أشهر غادرت مدينة سيليبابي ولم أعد إليها حتى الآن رغم مُضي خمسة عشر سنة كاملة، فأتمنى أن تكون سيليبابي كما كانت دوما مرحبة بالجميع مهما كانت قبائلهم وجهاتهم وأعراقهم !