sliderهاشتاق

لا مكان للفقيد “سيري با” بين عبدة الدرهم والدينار

اشتركتُ معه المهنة وأنا طالبٌ جامعيٌ متدربٌ في البيان، ثمّ انتقلنا معاً إلى القلم.. لن أقول إنه كان صديقاً لي، لسببين، أولهُما أنني أحسبه أستاذي في جواب عديدة من المهنة، وثانيهما أنه رجلٌ صارم، جادٌ أكثر .. مهومٌ في الغالب..
ومع ذلك كان يضحك مع أصدقائه .. حبيب ولد محفوظ، هند منت عينينا.. حتى زميلي محمدن انجبنان مامون الذي يصغره سناً كان يُجالسه ويداعبه.. أنا لا..

بحكم كوننا نعمل في صحيفة من طبعتين، كنتُ أستعين بأحد الزملاء على ترجمة التحقيقات التي ينجزها عبدو الله سيري با..أفادتني كثيراً.. كانت غاية في المهنية.. أحياناً كنتُ أوّقعها باسمي، لأنه لم يكن يُحبُ ترجمة مواده الإعلامية، ويعتقد أنها ستفقد الكثير من ألقها بعد الترجمة، وهو محقٌ في ذلك..
أشتركنا النضال، مع فارق الوعي والخبرة والوزن، تحتَ مظلة حزب “اتحاد القوى الديمقراطية، عهد جديد” كانَ من رموز جناح MND في الحزب الضخم، وكنتُ أقرب إلى هذا الجناح، لتعلقي الكبير، أنا وغالبية الشباب، بقائده وملهمه بدر الدين..
اشتركنا في أعلب اللجان الإعلامية للحزب، وفي نشريته “تقدم” التي كان يرأس تحريرها الحسين بن محنض.
لم أستطع فكّ شفرة العميد سيري با..
لاحقاً كنتُ أتردد دائماً على الرمز بدر الدين، في حزب اتحاد قوى التقدم UFP، وحتى في المنزل، وكثيراً ما أصادف عبدواللاي، في مجلس بدر الدين..تغمدهما الله برحمته الواسعة..
سيري با، كتبَ الكثير والكثير .. ومع ذلك لم تصلكم كتاباته بعد ..
ربما لو لم يكن “كوري” وينتقد عنصرية المجتمع لوجد تراثه المكتوب رواجاً واسعاً لكننا أمة لا تُحبُ سماع الحقيقة المُرة..
قبل عشر سنوات تقريباً كتب :” في سن الحادية عشرة ، في نهاية الخمسينيات ، كان الوطن الأم بالنسبة لي عائلتي وقريتي، كان ابتسامة جدتي ، كان زملائي في اللعب. وطني كما كتب محمود درويش في قصيدة أثارت جدلاً كبيراً رائحة قهوة أمي”.
لاحظوا سعة اطلاعه ككاتب .. إنه يقتبس من شعر محمود درويش.
ختم سيري با مقاله المؤلم ذلك قائلاً:”خمسون سنة هي مجردُ طفولة لبلد ما ، أي ما يعادل لحظة وجيزة على مقياس الزمن الجيولوجي. لكن بالنسبة للأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا في البلد ، وأنا منهم ، فهذه هي بداية النهاية.. إنّ توقعنا للعدالة الاجتماعية سيبقى لفترة طويلة مدفونًا تحت كتلة الامتيازات والأنانية .. تضامننا المجتمعي سيمنع ظهور أخوة المواطن .. بناء مجتمع المستقبل سوف يعيقه لفترة طويلة ماض أعيد اختراعه وتخيله من قبل خصوصياتنا الاجتماعية – العرقية. .. هؤلاء من شعبي ليسوا أفضل ولا أسوأ رجال ونساء على وجه الأرض ، لكنهم يتمتعون بالصفة التي لا تقدر بثمن لكونهم أهلي، وأننا معًا، هم أنا وأنا هم.. سنبني ، حجرًا حجرًا ، بالصبر والتصميم ، أرضَ أحلامنا”.
رحم الله الفقيد سيري با، كان أكبر من مجرد صحفي قطعاً، لكنه كان أصغر عندنا من مُفكر أيضاً.. لأنه أحبّ أن يعيش كادحاً، وأن يرحل كادحاً.. ولا مكان للكادحين بين عبدة الدرهم والدينار .. عبدة الأوقية..

Abdoullah Atvagha Al Mokhtar

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى