sliderمقالات ورأي

الصراع للهيمنة يدخل منعطفا جديدا..!!/ التراد سيدي

إذا كان العالم الذي يهتز اليوم ويكاد ينفجر وينذر بتغيرات دراماتيكية يتوقع الكثيرون أن تكون سببا في إعادة النظر في نظام العلاقات الدولية وتوازن القوة اللذين كانا سائدين في المئة سنة الأخيرة من عمر العالم أو يكون هذا التأزم الجاري في حال الخطأ من هنا أو هناك سببا في تدمير وخراب الكون خرابا لايبقي ولايذر إذا لم يتوفق العالم إلى حلول تعيد إعادة ترتيب أوضاعه سلميا ويعيد تنظيم أسلوب العلاقات الدولية بشكل جديد يضع في الأعتبار تعدد الأقطاب بدل ما كان سائدا من سيادة مطلقة لإمريكا وحلفائها الغربيين.

لقد كان القرن الماضي بدون منازع قرن قيادة إمريكا للعالم الحر وغير الحر فاستمرت الولايات المتحدة تقود العالم طيلة القرن العشرين مسيطرة على الاقتصاد العالمي من خلال التحكم في أسعار الغذاء زراعة ومشتقاتها ألبان وبروتينات وجميع المواد الأولية نفط ومعادن ثمينة وسيطرة على السياسات النقدية وحركة الرساميل مستخدمة ذراعيها الضاربين، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وإمعانا في السيطرة المالية حررت الدولار من سطوة الذهب ومكانته في ضمان الكتل النقدية للدول فحررته من تبعيته للذهب وجعلته ضامنا لا يحتاج من يضمنه وصار الدولار بذلك عملة للعالم كله وبقبول الجميع حتى الأتحاد السوفياتي وحلفه حلف وارسو كانوا مهمشين وغير مؤثرين في السياسات النقدية وفي حركة رؤوس الأموال والبضائع وغير مؤثرين في مكانة إمريكا المهيمنة على السوق وفي كل مجالات التبادل لقد كان الدولارعملة العالم كله وبه تتحدد قيم السلع والبضائع من زراعة وملابس إلى النفط والذهب والحديد وغير ذلك وبالإضافة إلى ما مثله الدولار، كانت إمريكا تتفوق في إنتاج عدد كبير من السلع والبضائع الخدمية ومن صناعة الآلات الأستراتيجية مرتفعة القيمة فكانت الأولى في الإنتاج الزراعي وفي صناعة السفن والطائرات والسيارات وفي السينما وأدوات المتعة، وكانت سيطرتها شبه كاملة على الإعلام وخدمة الأخبار، فكانت تمتلك إثنتين من خمس وكالات أنباء عالمية الينايتد ابريس، والأيستوتبريس، والوكالتين من الثلاث التي لاتملك لحليفتيها ابريطانيا وفرنسا، وفي تطور وسائل الإعلام المسموعة والمقروؤة والمصورة استمرت السيطرة الإمريكية والغربية على الميديا الإعلامية وكل وسائل التأثير !!

السيطرة في المجال العسكري

وبالإضافة للسيطرة المطلقة على كتل المال والاقتصاد وملكية الشركات الكبرى المعروفة (بالتروستات ) التجمعات المالية و(الكارتيلات) اتحادات الشركات النفطية والصناعية وعلى وسائل الإعلام ووسائل التثقيف والترفيه فإن الولاية المتحدة منذ انخراطها في شؤون العالم عند اشتراكها في الحربين العالميتين الأولى والثانية أصبحت تسيطر على العالم عسكريا بمئات القواعد وعشرات حاملات الطائرات وبأحلاف ومعاهدات واتفاقيات تكبل أكثر الدول وتسخرها لخدمة النفوذ الإمريكي في جميع أنحاء العالم، وسيطرت على سوق بيع السلاح وتوزيعه ولم يستطع وجود الأتحاد السفياتي الذي امتلك السلاح النووي وامتلك جيشا كان له الفضل في النصر الذي حققه الحلفاء على قوات هتلير، و قد أسس مع حلفائه حلف وارسو في ١٤ مايو ١٩٥٥ ، مقابل الحلف الذي كونته إمريكا حلف النيتو ( حلف شمال الاطلسي ) الذي تأسس ٤ إبريل ١٩٤٩ لم يستطع الاتحاد السفياتي وحلفه الحد من نفوذ إمريكا إلا في حدود معينة فقد استمرت إمريكا تتحكم بنشاط العالم ترتب وتؤلف وتفرق وتفتت حسب ماتمليه مصالحها ورغم القوة التي تمتع بها الأتحاد السفياتي وحركة التحرر العالمية والقوة التقدمية لما عرف بعدم الانحياز الإيجابي في كل انحاء العالم فلم تستطع كل تلك القوى الحد من الهيمنة الإمريكية .

الصراع الذي أفضى إلى انفراط عقد الأتحاد السفياتي وحلف وارصو!

لقد كان الاتحاد السوفياتي مكونا من خمسة عشر جمهورية متحدة في نظام اتحادي أنشأته الثورة البلشفية بقيادة لينين قامت بتكوين كيان من الشعوب التي كانت تتبع الإمبراطورية الروسية التي كانت تمتد من أوروبا إلى آسيا وأثناء الحرب العالمية الثانية وقيام ألمانيا النازية بغزو الأتحاد السوفياتي ونتيجة صمود الاتحاد السوفياتي وانتصاره مع الحلفاء الغربيين اتفق الزعماء المنتصرون أستالين عن الاتحاد السفياتي وروزفلت عن الولايات المتحدة واتشرشل عن ابريطانيا في مؤتمر عقدوه في يالطا في الاتحاد السوفياتي واتفقو على خريطة للعالم جعلت شرق أوروبا منطقة نفوذ معترف بها للاتحاد السوفياتي فأنشئت جمهوريات اشتراكية في شرق أوروبا وشكلت مع الاتحاد السوفياتي حلف وارسو الذي ظل قبل حله رسميا في يوليو ١٩٩١ في نزاع مع الغرب وحلف النيتو وسمي ذلك النزاع بالحرب الباردة ومر بمراحل كادت تفضي لحرب نووية كأزمتي كوبا و كوريا وتضمن الصراع أحيانا تقدما للحلف الشرقي في بعض بلدان العالم الثالث ، وانتهى الصراع بهزيمة للأتحاد السفياتي وحلفه دون إطلاق نار …
واعتقد الكثيرون أن السبب في انهيار الأتحاد السفياتي والنظم الاشتراكية في شرق أوروبا سباق التسلح وعجز الاتحاد السفياتي على متابعة متطلباته الباهظة وهذا خطأ – في نظري- لقد هزم الاتحاد السفياتي وحلفه نتيجة عدد من الأسباب أولها:
١- لعب الإعلام بجميع أنواعه صور الرأس مالية كجنة في الدنيا وصوروا الأشتراكية عبودية وشقاء.
٢- لعب نقص البضائع الكمالية ووسائل الترفيه والسياحة وإظهار الحريات الشكلية دورا في عدم سعادة مواطني البلدان الاشتراكية.
٣- كان للبيرقراطية في تسيير المؤسسات الصناعية والزراعية والخدمية دور في تدني الإنتاجية وعدم توفير ظروف مطمئنة للشعوب في البلدان الشرقية ..
هذه الأمور مجتمعة تسببت في انفجار الوضع في البلدان الاشتراكية
ولقد كانت الحياة في تلك البلدان أسهل وأكثر عدلا وتلبية للمصالح الفعلية للمواطنين مما عليه الحال في البلدان الغربية لقد كان العمل في البلدان الشرقية متوفرا للجميع عكس ماعليه الوضع في الغرب وكان ضمان الصحة والتعليم وتأمين الغذاء والنقل السهل أكثر توفرا في البلدان الاشتراكية!!
لكن ذلك كله نسفته الدعايات الغربية وسممت الأجواء وباستمرار تراكم الضخ الإعلامي لتشويه وشيطنة الأنظمة الأشتراكية وإظهار حركة المال و وسائل الترفيه والتمتع بالرحلات السياحية والمبادرة الفردية وغير ذلك من زخرف الحياة ومتعها حتى انهار الوضع في روسيا وشرق أوروبا .
لقد انفصل عدد كبير من الجمهوريات التي كان يضمها الاتحاد السوفياتي وأصبحت دولا مستقلة وسقطت الأنظمة الاشتراكية دفعة واحدة !!. ولقد كان المفروض انه بإنهاء الأتحاد السفياتي وحل حلف وارسو وسقوط الاحكام الأشتراكية جميعها في أوروبا لم يبقى سبب وجيه لاستمرار حلف النيتو الذي كون أصلا لضمان الدفاع عن أوروبا في وجه الاتحاد السفياتي وحلفائه . وحسب المسؤولين الروس فقد تحدث الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي مخائيل غورباتشيف مع الإمريكين حول مخاوفه من توسع حلف الناتو نحو الشرق الأوروبي وتعهدوا له ١٩٩١ بعدم تجاوز الحلف لجدار برلين الذي كان بين الألمانيتين قبل وحدتهما لكن الحلف الذي استمر يندفع نحو شرق أوروبا بما فيها بعض الجمهوريات الخارجة عن الاتحاد السوفياتي حتى بلغ عدد الدول الذي يضم ٣٠ دولة بعد أن كان ١٩٩١ يضم فقط ١٦ دولة، جعل الوضع غير معقول!!

حالة روسيا والصين والتغير الذي لابد منه

بعد نهاية حلف وارسو وتفكك الأتحاد السفياتي ودول ماكان يعرف بالمعسكر الأشتراكي ظن الكثيرون وبينهم مثقفون كبار في الشرق والغرب بانتهاء صراع الأقطاب بانتصار حاسم ونهائي للغرب الرأس مالي مثلما رأى “افرانسيس فوكياما” في كتابه نهاية التاريخ وآخرون كثيرون ملؤوا المكتبات بتحليلاتهم وتوقعاتهم باستباب الأمور في الاتجاه الذي رأوه منتصرا لكنهم لم يكونوا دقيقين في رؤيتهم وفي تحليلاتهم .
لقد استطاعت روسيا ذات الثروات الضخمة والأراضي الشاسعة أن تنهض من الركام وتستأنف بناء قوتها الصناعية والزراعية وتجدد وتطور ترسانتها العسكرية وعندما بدأت تتطلع للعب دورها وأخذ مكانتها ارتطمت بواقع حصار صامت لتحالف النيتو يمنع إعطاء فرصة للاعب كروسيا بدأ يبحث عن ماتتيحه قوته من الندية وضرورة المشاركة في تسيير قضايا العالم والتمتع بمكانة يتيحها مستوى قوتها العسكرية وحجمها الاقتصادي بكتلة السلع التي تعرضها من نفط وغاز ومعادن مختلفة، ومن إنتاج زراعي وصناعي وخصوصا في سوق الأسلحة التي تتقدم فيها كثيرا .
لقد وجدت روسيا أنها تحاصر وتكاد تختنق و يتم تطويقها بدول كانت بالأمس جزئا من دولة الأتحاد السفياتي وحلفائها السابقين، فكانت تلك المشكلة التي منها بدأ ماسيكون سببا في إعادة تسوية الأمور بشكل أكثر عدالة أو الأنزلاق والدخول في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
إن الذي يظهر من المشكلة بين روسيا والغرب اليوم ليس أكثر مما يظهر من جبل الثلج عندما يكون في البحر، إن المشكلة الأكبر والتي تؤكد عدم إمكان استمرار سيطرة إمريكا والغرب وحلف الناتو على مصائر العالم بعد الآن هو بروز قوة ليس بالإمكان التفوق عليها اقتصاديا وماليا وتكنلوجيا وعسكريا إن بروز الصين كعملاق زاحف في البحار وعبر مختلف القارات بحجم إنتاج وفورة دفق من الاختراعات التكنلوجية والإلكترونية ومن بنى تحتية خارقة للعادة تؤسس لعالم جديد فائق التطور و اختراع أشكالا من الذكاء الصطناعي عديم المثال ومحققوا تفوقا في كل المجالات والتطور السريع بشكل لا يجاري في حجم الإنتاج وتنوعه وفي اكتساح القارات وكل الأسواق بحجم رساميل غير مسبوق وبمنتجات لا يمكن منافستها في الجودة والرخص !!
إن تطور الصين الذي يهدد بإزاحة الولايات المتحدة عن مكانتها في تزعم العالم اقتصاديا وماليا وفي كل المجالات هو الذي عجل بمحاولة الولايات المتحدة وحلفاءها احتواء روسيا حتى يمكنهم التفرغ لمواجهة الصين .
لقد بدأت العلاقات الصينية الإمريكية ١٩٧٨- ١٩٧٩ كانت محاولة من إمريكا لاستخدام الصين إلى جانبها في صراعها ضد الاتحاد السفياتي وحلفائه في تلك المرحلة وكانت الصين في مستوى من التخلف والفقر بحيث لم يكن يتوقع أكثر الناس تفاؤلا أن تستطيع التغلب على مشكلاتها وإشباع مليار جائع وتوفير متطلباتهم الصحية والخدمية إن ما حققته الصين في سنوات قليلة يشبه المعجزة فقد نهض العملاق الصيني وأزال فقر مئات الملايين وأدخل الصين في العصر من أوسع الأبواب وتفوق في كل شيء وبنى معامل نووية فاقت ما كان معروفا وغزى الفضاء وملأ البحار سفنا والبر منشآت متعددة الأغراض والتوجهات.
لقد بدأت الصين تخطوا خطوات متسارعة لإزاحة إمريكا التي قادت العالم طيلة القرن الماضي في وقت بدأت إمريكا رغم ضخامتها وسيطرة نظامها المالي وانتشار قواعدها وأساطيلها بدت مترهلة ثقيلة الخطى مشتة التوجهات والأهتمام بين مكانتها في أوروبا التي تتورط فيها الآن بمشاغل تورطها وتورط حلفاءها دون أن تمتلك أدوات القوة الحاسمة وفي الخليج تحاول استمرار إظهار السيطرة وكسب ثقة حلفاء بدأ أكثرهم يلمسون ترددها وخوفها، وفي المنطقة الأكثر أولوية وأهمية عند إمريكا وهي بحر الصين وقواعدها في الباسفيك في مواجهة الصين وكوريا الشمالية ودعم روسيا للدولتين.

ماذا يمكن توقعه؟

إن استمرار سيطرة إمريكا على العالم أصبحت في حكم المنتهية مهما كانت تطورات الأحداث فلن يستطيع هذا الغرب الذي عبد واستغل ونهب وفتت وشتت في كل القارات وتسبب في أهوال ومآس شاب لها رأس الوليد والذي كان له دور في أكثر أحداث وكوارث القرن الماضي.
نعتقد أنه لن يمكن بعد الآن تسيير مشكلات العالم بعقلية من يبرؤ النمور ويدين الحملان والذي يجرم من لايخضع له مهما كان نبله وشرفه ويدافع عن عملائه مهما كانت وحشيتهم وبشاعتهم !
والسؤال هو هل سيكون عالم ما بعد هذه الأحداث تعني لهم الحرية والعدالة حقيقة الحرية والعدالة أم أننا سنستمر في نظام الحق للقوة كما رسخ هؤلاء الذين بدأ نجمهم في الأفول؟؟!!

التراد سيدي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى