sliderتقاريرمقابلات

كيف تطور موريتانيا من ترسانتها العسكرية لتجنب أي خطر يهدد أمنها وأمن مواطنيها

في موريتانيا، لم تعد الطرق العسكرية التقليدية التي تعتمد على المعدات والآليات الثقيلة مناسبة لصد ومواجهة عدو يقوم بهجمات خاطفة وسريعة. لذلك كان لا بد من إيجاد تشكيلة عسكرية جديدة كالموجودة هنا في مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي. إنها قوات التدخل الخاصة.

موريتانيا: قوات تدخل خاصة وكلية دفاع لجيوش دول الساحل

إذا كانت موريتانيا قد اعتمدت على تجمع الجمّالة لحماية حدودها ومساعدة مواطنيها خاصة منهم البدو الرُحّل ورفع مستوى انتمائهم للوطن، لكن ذلك لم يكن ليتم دون قوة عسكرية موازية أثبتت أهميتها وهي قوات التدخل الخاصة.

ويوازي، هذه القوات أهمية، كلية الدفاع التي أنشئت، في العاصمة نواكشوط التي تحولت لتصبح كلية تخرّج ضباطًا وقادة في جيوش دول مجموعة الخمس لدول الساحل، النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.

هذا هو موضوع تقريرنا الميداني التالي الذي أجريناه في كل من مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي والعاصمة نواكشوط.

في العام 2009، تم استحداث تجمعات التدخل الخاصة وقد أصبح عددها اليوم ست تجمعات، تتألف كل منها من نخبة عناصر الجيش. توزعت في المناطق الشمالية-الشرقية والشرقية والجنوبية-الشرقية للبلاد.

هذه القوات تابعة للجيش الوطني، مهمتها الأساسية هي التدخل السريع. فهي خفيفة الحركة وسريعة المناورة، لها استقلاليتها اللوجيستية ومعرفة عميقة بميادين القتال في الأماكن الوعرة وبأساليب غير نمطية. كما أنها قادرة على ملاحقة الجهاديين والعصابات الإجرامية المسلحة في معاقلهم داخل الصحراء.

وحدات خفيفة لا تتواجد في أماكن ثابتة

ويقول قائد الأركان العامة للجيش السابق،الفريق محمد ولد بمبه ولد مكت، أن السلطات الموريتانية عملت وفق ما تتطلبه الظروف “يتطلب تطور الوضع منا أن نواكبه لذلك استحدثنا وحدات خفيفة قادرة على مواكبة هذين الهدفين بسرعة مع بعض الحرية في الحركة التي تسمح بالتدخل”.

ويصف قائد الأركان السابق عمل هذه الوحدات العسكرية قائلًا “إنها تملك قوة نارية كافية لمواجهة العدو مع قدرة على الحركة مما يسهّل لها عملية تحقيق أهدافها. هذه الوحدات تتواجد حيث يتطلب الوضع وجودها ويتابعها قادة الأركان الذين يختارون مواقع تمركزها إذ أنها لا تتواجد مطلقًا في أماكن ثابتة. إنها تتطور وفقًا لخطة عمل يحددها قادة أركان المناطق “.

تملك هذه النخبة العسكرية أسلحة متطورة ثقيلة كالرشاشات وقاذفات القنابل ومضادات للدروع والطيران، كما لديها استقلاليتها اللوجيستية تساعدها على تنفيذ عملياتها الاستباقية. إنها تتولى أيضًا تحديد ومراقبة المناطق العسكرية المحظورة والتي يمنع سلوكها قطعيًا. لذلك تم تجهزيها بآليات خفيفة عابرة للصحراء.

حالة تأهب دائمة

إضافة لجمع المعلومات لتقصي أي نشاط مشبوه يهدد أمن الوطن فإن مهمة هذه الوحدات الخاصة هو التدخل السريع لرد واستباق هجمات الإرهابيين، فالهدف من تأسيس هذه الوحدات ليس فقط ملاحقة هؤلاء الارهابيين ومكافحتهم وإنما أيضًا إحباط عمليات التهريب التي يقومون بها في مجال تهريب السجائر والمخدرات والنفط وغيرها والتي من خلالها يجدون تمويلًا لهم ويغرون الشباب بالمال بهدف ضمهم إليهم.

وكانت موريتانيا قد وقعت ضحية اعتداءات هذه المجموعات قبل عشر سنوات، كما أكد الفريق ولد مكت الذي أحيل على التقاعد في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وأضاف “ما نريده اليوم هو البقاء جاهزين للتدخل حيث يجب أن نتدخل على أرضنا، وحماية مواطنينا وتأمين أمننا بأنفسنا. أعتقد أن تلك هي قوتنا، إننا لا نهدر وقتنا بانتظار النجدة. قواتنا مؤهلة لمواجهة التهديدات. إنها حاضرة وستبقى حاضرة وجاهزة. أعتقد أننا في حالة تأهب دائمة. أدرك أن الوضع الراهن يفرض علينا الحضور بقوة في المنطقة وفي حالة تدخل دائمة “.

وزير الدفاع حننا ولد سيدي

ميزة قوات التدخل الخاصة هذه هي أن عناصرها قادرون أن يجوبوا الصحراء باستقلالية تامة مدة  قد تزيد عن 15 يومًا وذلك مع اكتفاء ذاتي دون الحاجة للمساعدة.

ومن خلال عملياتها الاستباقية للقضاء على الإرهاب يمكن لهذه القوات أن تجتاز الحدود لضربه في معاقله وطبعًا مع موافقة البلد المعني بذلك. ومثل هذه العمليات تدخل ضمن اتفاقية مكافحة الإرهاب التي تشكل صلب مجموعة دول الساحل الخمس المؤلفة من موريتانيا والنيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو.

وقد حصلت موريتانيا على إذن من الحكومة المالية لملاحقة الإرهابيين حتى أراضيها، لكن ذلك لا يعني أنها ربحت الحرب كما صرّح وزير الدفاع الموريتاني حنن ولد سيدي “بطبيعة الحال، مع الحكومة المالية حصلنا على إذن بملاحقة الإرهابيين عند الحدود النائية جدًا وبالتالي خلقنا الخوف لدى الإرهابيين وهذا ما كلفنا الكثير من الجهود والحضور والوسائل. لكنني أعتقد أن الإرهابيين فهموا أن الردع موجود وحاضر فمن الأفضل ترك موريتانيا بحالها. وقد تكون استراتيجية مؤقتة لا يمكنني القول إنها نهائية. يمكنني القول فقط إنه منذ بضع سنوات نجحنا في جعل موريتانيا آمنة من الهجمات الإرهابية. اليوم، نعتبر أنه لا يمكننا الاستسلام. لا يمكننا القول إننا ربحنا الحرب ضد الإرهابيين. لكن ما يمكننا قوله وما يمكننا أن نستمر به بكل تواضع هو أننا ربحنا معركة أولى ونحن مستمرون في استعدادنا “.

بالنسبة لوزير الدفاع، فإنه لم يسجل أي اعتداء إرهابي على أراضي بلاده منذ عشر سنوات تقريبًا، فالمعركة ما تزال طويلة وشديدة. وإن كانت الحرب على الإرهاب لم تنته لكن ملاحقة عناصرها حتى في أراضي جارتها وشريكتها مالي ساهمت بشكل كبير في وضع حد لتغلغلها داخل الأراضي الموريتانية بعد إشاعة الخوف بينهم حيث من المفترض أن يعيشوا بأمان هناك في المناطق النائية.

كلية الدفاع لمجموعة دول الساحل الخمس

أما العنصر الثاني في مكافحة الإرهاب والموضوع أيضًا في خدمة جيوش مجموعة الدول الخمس في منطقة الساحل في عملية هي كلية الدفاع.

هذه الكلية التي أنشئت في نواكشوط في  العام 2013 قبل إقامة مجموعة دول الساحل الخمس، هي فريدة من نوعها في العالم. بعد أن كانت مخصصة للجيش الموريتاني لتأهيل وتخريج ضباط وقادة أركان، تحولت لمعهد يخرّج قادة أركان ومدرسة حربية لدول منطقة الساحل الخمس، كما حدثنا مديرها اللواء ابراهيم فال ولد الشيباني.

وهدف هذه الكلية، وفق ولد الشيباني “هو رفع مستوى وزارة الدفاع والأمن. كانت هناك حاجة لرفع مستوى قوات الدفاع والأمن. وقد تبيّن بالتالي أنه من الضروري إيجاد مدرسة تعليم عالي لتخريج نخب عسكرية. اتخذ القرار بعد أن تمت دراسة المشروع وحصلنا على تمويل لبناء هذه البنية التحتية الموجودة حاليًا وبدأت عملية تنفيذ البناء في العام 2014. حينها، في ذلك العام، تأسست مجموع دول الخمس في منطقة الساحل “.

وفق مدير كلية الدفاع فإن مجموعة الخمس تقوم على ركنين أساسيين. الأول هو التنمية، والثاني هو الدفاع والأمن. وقد اقترحت السلطات الموريتانية على الدول الخمس أن يتحول مشروع الكلية العسكرية الذي كان قيد التنفيذ في ذلك الوقت، من مشروع وطني إلى مشروع يوضع في خدمة دول المجموعة “وقد تمت الموافقة على هذا الاقتراح في العام 2015، وأصبح معهد دفاع مجموعة دول الخمس لمنطقة الساحل”.

رؤيا موحدة بين ضباط دول الساحل الـ5

أما أول دفعة تم تخريجها كانت في العام 2019. وتضمنت هذه الدفعة الأولى 36 ضابطًا بينهم 16 موريتانيًا من الجيش والدرك والحرس، أما العشرون الآخرون فهم موزعون بالتساوي بمعدل 5 ضباط لكل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو والتشاد.

بالنسبة للواء ولد الشيباني فإن هدفًا بالغ الأهمية يقف خلف هذه الكلية وهو أن القوات المسلحة لمجموعة دول الساحل الخمس “تواجه التهديد نفسه وهو التهديد الإرهابي والجرائم الكبيرة، فإنها جميعها مدعوة للعمل في الساحة الجغرافية نفسها والتي هي الساحل، فمن الحكمة أن تتشارك كوادرها الرؤيا ذاتها فيما يتعلق بهذا التهديد، وأن تتحلى بالمقاربة المنهجية وطرق العمل ذاتها. فهذا يؤمن أفضل تصدٍ للتهديد وأفضل تقدير له”.

إضافة إلى كل ذلك، فإن الكلية تخلق شبكة من العلاقات البالغة الأهمية بين ضباط الجيش. وأضاف مدير الكلية “وحين ننظر للمستقبل، بعد 15 عامًا، وبعد تخريج 15 دفعة، سيتم بث 1500 ضابط في جيوش الدول الخمسة. هل ترون هذا التزاوج في العلاقات الذي سينشأ. إذًا، نحن في طور خلق وتثبيت معلم للاندماج الحقيقي في مجال حساس ألا وهو الدفاع والأمن في دول الساحل”.

التواصل الدائم مع جيوش مجموعة الخمس

في مواجهة عدو مشترك عابر للحدود تحتاج جيوش مجموعة دول الساحل الخمس للغة عسكرية تقنية مشتركة ولطرق عمل ومعدات مشتركة. وفق ذلك، يقول اللواء ابراهيم فال ولد الشيباني إن التعليم والتدريب في هذه الكلية يستجيبان تمامًا لمتطلبات عمليات التصدي لتهديد الإرهابيين في المنطقة.

قائد الأركان السابق الفريق محمد ولد مكت

وقد شدد اللواء ولد الشيباني على أن الهدف من هذه الكلية “هو تأسيس لجيوش وقوة وطنية، وضباط تم تدريبهم وفق آخر المعطيات المتعلقة بتطور التهديد ولهذا السبب أدخلنا النص في صلب الكلية بهدف أن نبقى على اتصال دائم مع القوة المشتركة كما مع جيوش دول مجموعة الخمس في الساحل وجمع كل البيانات الجديدة المتعلقة بتنامي التهديد إن لناحية التجهيزات وطريقة العمل وحتى البيانات الاجتماعية. وهذه الأمور أُدخلت في الكلية حيث سيتم إلحاق البيانات الجديدة في منهج الدفعة الجديدة. فهذا العمل يتجدد سنويًا بالتعاون مع الجيوش والقوة المشتركة “.

تدريبات وحفاظ على حق الانسان

إضافة لدورها في تثبيت التعاون العسكري فيما بين جيوش دول الساحل الخمس، فإن هذه الكلية الفريدة من نوعها تسعى لتكوين وتدريب ضباط عسكريين ليكونوا على مستوى عال من الجهوزية والمهنية للاستجابة بشكل يتناسب مع الإرهاب المستشري في المنطقة وكذلك وفق القوانين الإنسانية.

وفيما يتعلق بالتعليم، فإنه يعتمد على محورين، كما أفاد اللواء ولد الشيباني، “الأول هو عسكري بحت ضمن ركيزة التعليم العملي لأنه يتعلق أولًا وقبل أي شيء بتدريب قادة الأركان ويشكل ذلك 60٪ من مجموع ساعات التدريب. لكن كما تعلمون بالطبع اليوم، لم يعد هناك أي نزاع أو أزمة يتم حلهما بواسطة السلاح. هناك بيئة متكاملة آخذة بفرض نفسها في العمليات العسكرية وفي قرارات القادة العسكريين في الميدان. نحاول تحضير المتدربين في هذه البيئة التي هي بيئة تجمع كل ما يتعلق بحق الإنسان، وكل ما هو قانون إنساني “.

الخطاب الديني الحقيقي المتسامح

هذا وبالنسبة لوزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي، فإن السياسات التي وضعتها حكومته في محاربة الإرهاب تمرّ أولًا بتعليم الإسلام الحقيقي، كما قال. فالإسلام هو دين التسامح والداعي للسلم الرافض تمامًا للحرب.

وختم الوزير حديثه مشددًا “إنه الخطاب الديني للإسلام، للإسلام الحقيقي المعتدل، للإسلام المتسامح، وليس ذلك الشكل الأعمى في تطبيق العنف من قبل رجال لا إيمان لهم  ولا قانون يردعهم. كلا! الاسلام هو أولًا دين معتدل جدًا يحكمه التسامح وقبول الآخر. لذلك لجأنا إلى علماء ذائعي الصيت في العلوم الإسلامية. إنهم أناس تُقبَل كلمتهم حين ينطقون بها. على مستوى ترسانتنا القانونية، فإن الإرهاب هو مسألة جديدة لم يكن معروفًا بعد كما أنه لم يكن موجودًا فيها. لقد قمنا بتعزيز ترسانتنا القانونية لتتماشى مع هذا التطور في العقليات”.

حتى لو أن موريتانيا لم تشهد اعتداءًا إرهابيًا واحدًا منذ عشر سنوات، لكنها اليوم حريصة أكثر على البقاء مفتوحة العينين ساعية لتقوم بضربات سريعة واستباقية لتجنب أي خطر يهدد أمنها وأمن مواطنيها.

كوام جويل أونور

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى