كنت قد حضرت اليوم الأول جلسة محكمة الفساد الأولى ؛ وانسحبت مبكرا ؛ لكنني دونت لكم بريشتي كامل المشهد خارج وداخل المحكمة.
ولكي لا يفوتني أي تفصيل من المشهد في اليوم التالي طلبت من صحفيين بارزين مرافقتي صباح الخميس إلى المحكمة ؛ وتدبرت إذن دخولهما ؛ واتفقنا على اللقاء التاسعة صباحا عند بوابة قصر العدل.
الثامنة والنصف حاولت التواصل هاتفيا معهما مرارا ؛ فلم أجد ردا ؛ قررت الاتجاه إلى قهوة مناسبة بتفريغ زينه لتناول الفطور وتركت لأحدهما رسالة صوتية بها دعوة لهما لتناول الفطور معي ثم الاتجاه لقاعة المحاكمة.
نصف ساعة دون رد منهما كان كافيا لأتجه إلى قصر العدل من دونهما ؛ فيومي كان مشحونا بالتزامات عديدة ؛ منها موعد الزملاء من قيادة الحمالة غير الدائمين الذين كان لديهم موعد رسمي مع وزارة التجهيز والنقل للتوقيع على حزمة ضخمة وجهها لصالحهم ولصالح أسرهم ؛ فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني .
لكن حضور المحاكمة ولو لمدة ساعة كان أمرا لابد منه.
باقترابي من المربع الذي يقع فيه قصر العدل لاحظت أن الحزام الأمني قد اتسع بتنظيم وانتشار أدق من الانتشار الأمني يوم الأربعاء ؛ فلا حشود أمام بوابة قصر العدل ؛ وقد خصصت مساحة في المواقف الداخلية بين مجمع المحاكم وجامع بداه العتيق لمن شاء أن ينظم وقفة خطابية من أنصار الرئيس السابق ؛ وكانت نفس الوجوه التي رأيتها الأربعاء مع وجوه جديدة محدودة العدد.
اضطررت لأخذ المسار يسارا بعد الجامع بحثا عن موقف غير محظور أركن به السيارة ؛ فوجدته بعد مقر إدارة موريتل
كانت فرصة للرياضة ؛ إذ عدت أدراجي مشيا .
عند التدقيق في وجود اسمي على لائحة المأذون لهم بالدخول اكتشفت أن زميلي دخلا قبلي ..
كان الإجراءات سلسلة عند الباب الرئيسي وعند مدخل المحكمة.
جانب الرجال مكتظ ؛ وبجانب النساء نسبة أكبر منها بالأمس.
ألقيت نظرة على جماعة القفص فإذا بالمتهم محمد ولد عبد العزيز قد اختار الكرسي الأقرب إلى محامي دفاعه ؛ وبدا متحفزا لقيادة فريق المحامين ؛ فقد كان يشير بين الفينة والأخرى لأحدهم وكأنه يراجع معهم خطة الدفاع يوم الخميس ؛ تذكرت الكتيبة البرلمانية أيام الإطاحة بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله ؛ وتصورت “محاميه ككتيه مشابهة” لكنها في ميدان القانون لم تكن لتصمد أمام فريق الدفاع عن الدولة والشعب والادعاء العام.
فجأة نادى المنادي محكمة فوقف المتهمون والجميع احتراما لرئيس المحكمة الذي ذكر بضوابط القاعة ؛ وافتتح الجلسة قائلا باسم الله العلي العظيم فشعرت بقشعريرة سببها عظمة أسماء ربي ؛ وتذكرت قول الإعرابي :عز فحكم؛ وتمنيت لو أن افتتاح جلسات المحاكم عندنا يكون باسم الله العزيز الحكيم.
لم يترك الدفاع فرصة لرئيس المحكمة بالاسترسال في الإجراءات والسؤال المعتاد عن حضور المتهمين ؛ فأخذ احد محامي الدفاع الميكرفون الذي كان بحالة جيدة طالبا سماع طلبه فقاطعه رئيس المحكمة طالبا منحه وقتا يسيرا لإجراء النداء على المتهمين ؛ وفعل وأعاد للدفاع حق الحديث.
تعاقب محامو الدفاع عن المتهم ولد عبد العزيز والبقية طالبين احترام قانون الإجراءات معتبرين إيداع الجميع غير قانوني ؛ محتجين بالمواد 147 و153 و250 والمادة 10 من الدستور المتعلقة بالحرية وتجريم توقيق أي شخص إلا بعد استجواب وحسب نص قانوني.
استمعت جيدا لما استعرضوا من نصوص تلك المواد معتبرينها طعنا اجرائيا حاسما مطالبين بحرية مؤقتة للجميع ومطالبين بمعاملة المتهم رقم واحد كبقية المتهمين.
أدركت أن الجلسة بكاملها ستستغرق في الجدل الإجرائي وأن فريق دفاع المتهمين يجتهد أمام موكليه في الثناء عليهم كنخبة وطنية وازنة تستحق الاحترام ليثبت أحقيته بالمزيد من الدعم المالي.
كان الأستاذ ولد الشدو لديه مشكلته الخاصة التي ذكر أمام المحكمة وهي انعدام مواقف سيارات قريبة من القاعة واكتظاظ مواقف المحكمة واضطراره للبقاء ساعة عند الباب.
تذكرت موعدي مع الزملاء الحمالة وفتشت في القاعة عن رفيقي وطلبت منهما موافاتي ببقية المشهد ؛ وقد أحسنا نقله .
فقد فند الادعاء العام وفريق الدفاع عن الدولة كل حجة إجرائية استند عليها دفاع المتهمين .
فقد كانوا يجتزؤون المواد الإجرائية المذكورة .
وتذكرت أن مصادر عليمة كانت قد ذكرت لي أن المتهم الأول حاول الهرب مرتين ؛ مرة عبر النهر إلى السنغال بغطاء مهرجان شعبي مزعوم لدعمه ؛ ومرة أخرى حين اتجاه إلى مطار أم التونسي متوجها إلى فرنسا.
رفعت الجلسة لصلاة الظهر وتناول الغداء فانسحب الرفاق من الجلسة
وأتوقع أن يظل فريق الدفاع عن المتهمين منغمسا في الدفوع الشكلية هربا من مواجهة المضمون الذي سيكون أثقل وأشد تعقيدا
المستشار عبد الله ولدبونا