في صبيحة السابع من يناير من العام 2015 اقتحم الأخوان “سعيد وشريف كواشي” مقر صحيفة “شارلي أبدو” في هجوم مسلح، وذلك بعد إعادتها لنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للجناب النبوي الشريف، فقتلا 12 شخصا، سيزدادون بعد ذلك بأربعة أشخاص أو خمسة في عملية لاحقة. هذه الحادثة جعلت العالم أجمع يعيش أيام حزن عظيم لف مشارق الدنيا ومغاربها، وكان نصيبنا منه في العالمين العربي والإسلامي ليس بالشيء القليل، وبعد أربعة أيام من وقوع هذه الحادثة نُظمت مسيرة ضخمة في باريس تضامنا مع الضحايا، ونبذا للعنف والإرهاب، حضرها قادة أكثر من 40 دولة، كان بينهم من العرب والمسلمين: ملك الأردن وزوجته، ورئيس الوزراء التونسي، ووزراء خارجية الإمارات ومصر والمغرب والجزائر، ورئيس وزراء تركيا، هذا بالإضافة إلى الرئيس الفلسطيني، والذي سنشاهده بعد عام وأشهر من تلك الحادثة يبكي في جنازة “شمعون بيريز”.
حزنٌ عظيمٌ خيم على العالم أجمع بسبب قتل 12 شخصا في هجوم مسلح نفذه شخصان أغضبهما إعادة نشر رسوم مسيئة من طرف صحيفة مسيئة.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر أكتوبر من العام 2023 قتل الجيش الصهيوني أكثر من 8525 شهيدا (هذا العدد سيزداد خلال كتابة هذه السطور) من بينهم 3542 طفلا و2187 امرأة وأصاب أكثر من 21 ألف شخص بجروح، هذا فضلا عن تدمير آلاف المباني ومنع وصول الطعام والماء والدواء والوقود إلى أكثر من مليوني شخص.
كل هذه المجازر والفظائع والجرائم غير المسبوقة لم تصب قادة العالم بحزن، حتى ولو كان مجرد حزن عابر، بل إن كثيرا منهم يؤيد سرا أو جهرا هذه المجازر، ويدعو بالغدو والآصال إلى استمرارها بحجة حق دفاع المجرم عن نفسه!!
حَزِن قادة العالم، وسال دمعهم مدرارا تعاطفا وتضامنا مع 12 شخصا قتلوا في هجوم فردي على صحيفة مسيئة، وكثر الحديث في ذلك الوقت عن حرية التعبير حتى ولو كان ذلك التعبير يتمثل في إساءة لكل المسلمين في العالم، واليوم يبخل قادة العالم بدمعة واحدة تضامنا مع أكثر من 8525 شهيدا قُتلوا في عدوان همجي وبربري ينفذه الجيش الأكثر دموية وعنصرية في العالم.
أما حرية التعبير التي كان يتحدث عنها “الغرب المتحضر” بعد حادثة “شارلي أبدو” فقد تحولت إلى قيود تفرض على وسائل الإعلام حتى لا تنقل حقيقة الجرائم التي يرتكبها العدو، وتحولت أيضا حرية التعبير تلك إلى قيود أخرى لمنع التظاهر تضامنا مع الضحايا، حتى وإن كانت تلك القيود فشلت في منع تنظيم تظاهرات كبرى في بعض العواصم والمدن في الغرب، وهذه مناسبة لتوجيه تحية كبيرة لكل أولئك الذين تحركوا في الغرب، ونددوا بأصوات عالية بالمواقف المشينة لحكوماتهم.
قد نقبل من القادة في الغرب أن يعتبروا دماء مواطنيهم أغلى من دماء كل العرب والمسلمين في العالم، وقد نتفهم حزنهم إذا ما قُتِلَ شخص واحد في إحدى بلدانهم، قد نتفهم كل ذلك، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يخرج بعض القادة العرب في مسيرات تضامن وحزن بسبب قتل 12 شخصا، ولا يَخرج أي واحد منهم في مسيرة تضامن وحزن بعد استشهاد أكثر من 8525 فلسطينيا.
فلماذا يحزن القادة العرب والمسلمين عندما تسيل قطرة دم واحدة في الغرب، ولا يحزنوا عندما تسيل أنهار وبحار من الدم في فلسطين؟ ولماذا يخرجون في مسيرة تضامن مع 12 ضحية في باريس ولا يخرجون في مسيرة تضامن مع 8525 شهيدا في فلسطين؟ ولماذا يقمعون شعوبهم إذا ما خرجت في مسيرات تضامن مع فلسطين، أو إذا ما خرجت في مسيرات للتنديد أمام سفارات العدو وشركائه بجرائمهم الوحشية التي يرتكبونها في حق أهلنا في فلسطين؟
فهل دماؤنا أرخص من دمائهم؟
حفظ الله فلسطين..
محمد الأمين الفاضل
Elvadel@gmail.com