(الحرية نت): بعض الكتاب، في سعيهم لتقليص وتحجيم دور إيران، يكررون طوال الوقت أن المشروع الإيراني يخدم إيران. أليس هذا تحصيل الحاصل؟ هل نحن بلهاء حتى نتوقع مشروعا إيرانيا لا يخدم إيران؟ أم تتوقع مشروعا إيرانيا يخدم العرب دون أن يخدم إيران؟ يا جماعة الخير، كيف تعيبون على دولة سعيها لخدمة نفسها ومصالحها؟ أكثر وأحسن ما يمكن توقعه هو أن يتقاطع المشروع الإيراني ولو جزئيا وتكتيكيا ومرحليا مع مشروعنا ومصالحنا، أو على الأقل لا يصطدم معها بشكل مباشر، أو أن يساعد في إضعاف العدو الإسرائيلي.
ومن هذا المنظور، نستطيع القول بأن المشروع الإيراني يمر في هذا الظرف بالذات بمرحلة تصعيد ومواجهة حقيقية مع المشروع الإسرائيلي بما يخدم مصالحنا مرحليا، وذلك لأربعة أسباب:
– أولا: لأنه المشروع الوحيد القائم بجدية في وجه المشروع الإسرائيلي نظرا لغياب أي مشروع عربي يركن إليه وتقاعس المشروع التركي.
– ثانيا: لأنه جزء من مشروع الأمة الاسلامية الجامعة لكل الشعوب التي تدين بالإسلام على اختلاف طوائفها ومشاريعها ومصالحها، وذلك ما يجعله في تناقض موضوعي مع المشروع الإسرائيلي.
– ثالثا: لأنه قائم على أرضية صلبة تجعله قابلا للصمود والتوسع، حيث أنه يقف على دعامتين أساسيتين في عالم اليوم، هما: تدوال السلطة عبر الانتخاب واقتناص التكنولوجيا وعلوم الذرة.
– رابعا: لأنه مشروع فاعل، له تصميم و إرادة عملية للوصول إلى أهدافه طبقا للممكن والمتاح. إنه يحسب الأمور و يزنها بميزان العقل لا العاطفة و”يتقي” الأضرار والخسائر بمرونة، بعيدا عن التهور والسفه والارتجال.
هل يعني مثل هذا الكلام تأييد إيران أو دعمها المطلق؟ هل يعني مباركة الجرائم الصفوية أو التخلي عن العروبة؟ هل يعني التخلي عن السنة لصالح المذهب الشيعي؟ طبعا لا! هذه مجرد قراءة للواقع الحالي؛ وهو واقع مُر و مؤسف ومحزن لعدة أسباب:
– السبب الأول هو أننا لا نريد لإيران أن تتفوق علينا وتتقدم، كما لا نريد لإسرائيل أن تهيمن علينا وعلى المنطقة. ولذلك، نأسف ونحزن لما نراه من نشاط وحضور للفريقين في ظل غيابنا نحن.
– السبب الثاني هو أننا نكره إيران لدواعي طائفية وتاريخية وحضارية معروفة، بالإضافة إلى ضلوعها في أكثر من نزاع مع دول عربية في الإقليم. نعتبرها “عدوا استراتيجيا” أو “منافسا” على الأقل. ومن ثمّ، نأسف ونحزن عندما نراها تحقق إنجازات ومكاسب على حسابنا في المنطقة والعالم.
– السبب الثالث الذي جعلنا نأسف ونحزن هو أننا لا نرى مشروعا عربيا متماسكا يتصدى للجهتين. ولذلك نشعر بالمرارة والألم إزاء عجزنا عن تحقيق انتصارات مهمة نباهي بها الأمم.
كان آخر مشروع لدينا يتلخص في “اللاءات الخمس” المعروفة اختصارا “بلاءات” الخرطوم، ثم تحولنا إلى مشروع “اللا سلم و اللا حرب”، ثم “السلم واللا حرب”، ثم “السلم ونقطة على السطر” .. بمعنى الشلل والعجز. فلا نحن قاتلنا مع حماس في غزة، ولا نحن رفعنا من شأن “السلطة” في رام الله. ولا نحن قاتلنا مع حزب الله، ولا نحن وقفنا مع الجيش اللبناني لبسط سيطرته على أرض لبنان. ولا نحن قاتلنا مع الحوثيين، ولا نحن هزمناهم. ولا نحن قطعنا العلاقات مع إيران، ولا نحن طورناها. ولا نحن قررنا التطبيع مع إسرائيل، ولا نحن رفضناه. أين نحن؟ لا يذكرنا ذاكر إلا عندما يتم الحديث عن جولة للوزير “بلينكن” في المنطقة، أو عن فشله في الوصول إلى “صفقة تبادل”.
هذه هي الحقيقة المرة.
وبالعودة إلى الحرب الجارية حاليا، حرامٌ علينا تقزيم القضية الفلسطينية وحصرها في أن تكون شأنا عربيا فقط. هي بالفعل شأن عربي أولًا وأخيرًا؛ لكنها مع ذلك قضية إسلامية تهم جميع المسلمين، ومبدأ حرية وعدالة يخاطب كل أحرار العالم. المطلوب هو الانفتاح والاستعانة بكل جهد متاح مهما كان متواضعا و مؤقتا و ملغوما، وتأجيل كل العداوات والخلافات الأخرى حتى حين، لأن المرحلة تقتضي ذلك.
وفي هذا السياق، هل يمكن لعقل عربي سوي أن يوجه سهامه ضد إيران في الوقت الحالي و بالأحرى ضد حزب الله الذي يشارك بسلاحه ودمه وفلذات أكباده في حربٍ عنوانها “الأقصى” و “بَوصلتها” القدس و قائدها “القسام”؟ أما سمعتم حديث “أبو عبيدة” حفظه الله ورعاه حين قال: “نبارك الرد الإيراني الذي طال كامل جغرافيا فلسطين المحتلة و وجه ضربة قوية للاحتلال المجرم”.
2 /10 / 2024
محمد فال ولد بَلال