sliderتقارير

مؤسسة الشيخ ماء العينين.. رافد لتعزيز الديبلوماسية المغربية الناعمة

 

مؤسسة الشيخ ماء العينين.. رافد لتعزيز الديبلوماسية المغربية الناعمة

اختتم مساء السبت 13/04/2019 بتاكوشت (إقليم اشتوكه آيت باها بالمغرب) “الملتقى الدولي الخامس للفكر الصوفي عند الشيخ ماء العينين“، الذي تنظمه سنويا “مؤسسة الشيخ ماء العينين للعلوم والتراث”، برئاسة د. فؤاد مصطفى ماء العينين.. والذي نظم هذه السنة تحت شعار: “التصوف: طرق متكاملة لتنمية شاملة”، وقد سميت هذه الدورة ب: ” دورة الشيخ العارف بالله سيدي الحاج الحبيب التنالتي”، حيث قدمت خلال دورة الملتقى الدولي الخامسة هذه سلسلة من المحاضرات القيمة، ألقاها جمع من الباحثين مغاربة ، وآخرون قدموا من 31 دولة، موزعة في كل من الامريكيتين الشمالية والجنوبية وإفريقيا وأوروبا وآسيا..فمن إفريقيا الغربية مثلا حضر باحثون من(السنغال- غامبيا- غينيا بيساو ونيجيريا..إلخ) ومن شرق إفريقيا حضر باحثون كذلك، ومن المنطقة العربية: حضر باحثون من موريتانيا وتونس ومصر والأردن والعراق والسعودية وغيرهم.. ومن أوروبا(إسبانيا- بلجيكا)..إلخ، كما حضر ممثلون عن أكبر دولة إسلامية:(أندونوسيا).

تجدر الاشارة إلى أن الجلسة الختامية للملتقى، نظمت في تاكوشت، وكان دعاء اختتام الفعاليات بضريح سيدي الحاج الحبيب التنالتي، بزاوية تنالت.

ورغم اختلاف مكان اختتام الملتقى هذه السنة عن سابقيه، إلا أنه ظل محتفظا، بتنظيمه لحفل الإفتتاح كل سنة بضريح وزاوية الشيخ ماء العينين بمدينة تيزنيت(جنوب المغرب)، حيث نظمت فعاليات حفل الافتتاح، ثم قرئت الفاتحة على روح الشيخ ماء العينين.. بعدها تم الانتقال إلى مدينة أكادير، التي احتضنت أغلبية أنشطة الملتقى، بعدها انتقلت الوفود المشاركة إلى عمالة اشتوكه- آيت باها، حيث كان الاختتام.

  وقد تميزت هذه الدورة، باختصار للوقت وضبط لإيقاع الملتقى، بشكل أتاح للجمهور متابعة جميع المحاضرات المبرمجة والأنشطة المقررة، بشكل انسيابي ومنظم.

تميز اليوم الثاني للملتقى بتنظيم درس ديني تلتها ليلة للذكر، أنعشتها صفوة من فرق السماع بالمغرب، وتفاعل الجمهور معها بشكل لافت، وكانت ليلة متميزة بحق.

*التصوف أداة تنمية وتعدد يفضي إلى تكامل في الرؤى

خلال أيام الملتقى الثلاثة، قدمت بحوث ومحاضرات، تناولت التصوف بوصفه إحسانا، وأداة أثبتت فعاليتها في نشر الإسلام وكانت وراء اتساع خريطته عبر العالم، كما تحدث محاضرون عن الدلالات الروحية للتصوف، مطالبين بضرورة تنقيته من الشوائب، التي أعطت مبررات لاتهام التصوف بتهم، هي في الواقع بعيدة عن جوهره وغاياته السامية، والتي ليست من بينها الدروشة وغيرها من المسلكيات التي أضرت بالتصوف وحرفته عن هدفه السامي.. ومن أجل تجسيد الصورة الناصعة للتصوف، تم تقديم طريقة الشيخ ماء العينين الصوفية، بوصفها طريقة تؤاخي بين الجميع، وترى في التعدد غنى وتكاملا، حيث كان رحمه الله يعطي الوردين القادري والتيجاني، دون تمييز أو مفاضلة، كما أنه يضع قاعدة صلبة للتصوف، تتمثل في الكتاب والسنة، وما حاد عنهما، فهو انحراف ودجل.

*عند ما تتفاعل الديبلوماسية الثقافية مع المحيط وتقتحم القارات

تعدد جنسيات المحاضرين وتنوع قاراتهم ومقارباتهم البحثية أعطى للملتقى الدولي الخامس للفكر الصوفي عند الشيخ ماء العينين، بعدا خاصا، يتناغم مع رسالة المغرب الثقافية إلى العالم، والتي عمل منذ بعض الوقت على نقلها من حيزها التعليمي الصرف، إلى أداة تفعيل للدور وللمكانة العالمية، التي ما فتئ المغرب يعمل جاهدا من أجل احتلال الصدارة العالمية على كافة الصعد، مستعينا بتاريخ عريق يؤهله لقيادة التنمية بالقارة الإفريقية، بطريقة تستلهم الماضي، بكل عراقته وتشعباته، وتجعل من الحداثة والتطور التكنلوجي أداة، لتكريس التعاون البيني، الذي يفضي إلى السلم والتكامل والتنمية الشاملة، بعيدا عن النزاعات وروح الإلغاء والإقصاء، بوصفهم تجارب أوصلت القارة الإفريقية إلى قاع التخلف وفوتت عليها فرصا ثمينة كانت كفيلة بتعزيز التنمية والتطوير والبناء.

حقيقة جسدها الملتقى الدولي الخامس للفكر الصوفي عند الشيخ ماء العينين، وأضفى عليها بعدا حضاريا، ينسجم مع مكانة المغرب الثقافية والتاريخية، المتسمة بالوسطية والإعتدال، كما نجح الملتقى في التعالي على جراح الأمة والتناقضات المدمرة، التي زرعت وتزرع بين المسلمين اليوم بذور الفتنة والاقتتال، فجعل من التأثير الثقافي والإجتماعي، المتعدد الأوجه للشيخ ماء العينين، عنصر تلاق وانسجام، وحد الأندنوسي والأمريكي والإفريقي والعربي والبرازيلي والأوروبي..إلخ، فوق الأرض المغربية، تحت راية المؤاخاة، التي ألزم بها الشيخ ماء العينين مريديه وأتباعه الكثر.. فكانت الطريقة المعينية، أدات تقارب ومحبة وصفاء، انتشرت في الإقليم وعبرت باتجاه القارات، فصارت كل منطقة في الإقليم والعالم الإسلامي، ترى في الشيخ ماء العينين جزءا أصيلا من واقعها ومن نسيجها الثقافي والاجتماعي.

لذا شكل هذا الملتقى خلال دوراته الخمس رافدا لتعزيز وتثمين وتفعيل الدور المغربي في الإقليم وعبر الفضاء الإسلامي، وصار معلما من معالم الديبلوماسية المغربية الناعمة، سيفضي تعزيزه مستقبلا إلى مكاسب، تزرع العيش المشترك في المنطقة، وترسخ المؤاخاة، وتكرس التنمية.. وعندها يصبح للديبلوماسية الناعمة دلالة، وللإرث الإنساني والثقافي للمغرب، بعده الحضاري، الذي بناه الجدود بتفان وإخلاص، يفرض على الأبناء والأحفاد صونه والذب عنه داخل كافة الحلبات وعبر كل القارات.

 

محمد المختار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى