مقالات ورأي

التشاور سابق بالمنطق على الحوار/ الولي سيدي هيبه

من المعلوم أن التشاور والتعاون في المجالين الاقتصادي والتنموي هما عبارة عن عمليات “تشاركية” تهدف إلى إشراك أصحاب “المصلحة” من الجهات والقطاعات المعنية في وضع السياسة العامة لتحقيق أهداف مشتركة للصالح العام. وبهذا يعد التشاور وسيلة لإقامة “الحوار” بين السلطات العمومية وأصحاب المصلحة، بمن فيهم أطراف من القطاع الخاص والهيئات الحكومية، حول السياسات والتشريعات والممارسات والمناهج التشغيلية. ويتمثل التعاون في تقاسم المسؤوليات والمهام المنوطة بعملية أعمال معينة، وتقديم الخدمات على نحو مشترك، حيث تتفاعل الدوائر والهيئات الحكومية المختلفة فيما بينها لتتحول من إجراءات أحادية أي انفرادية تُنفذها جهة أو منظمة ما داخلياً إلى عمليات أعمال تقوم على تطوريها جميع الأطر المؤسسية وتتشارك فيها بل، وفوق ذلك، أن يُدمج القطاع الخاص في عملية الأعمال المشتركة.

و ينسحب هذا التعريف، تماما، بكل تفاصيله على التشاور الذي له طابع سياسي حيث تجلس كل الأطراف المهتمة بالشأن السياسي أحزابا ومنظمات ومجتمع مدني وغيرها ممثلة لآراء شعبية على ذات المائدة لتحديد آفاق التعاون بينها لأجل:

–         معالجة القضايا والتصورات والأهداف الحقيقية، وتقديم الحلول التقدمية؛

–         ترسيخ شرعية التغييرات المقترحة وتعزيز الالتزام بالتنفيذ؛

–         تقوية الثقة بين الأطراف والشركاء؛

–         إقامة الحوار بين الأطراف، والتشارك بالمعلومات؛

–         الحد من الخلافات والمنازعات بين مختلف الأطر والمجموعات والتوجهات ؛

–         شراكة ومسؤولية خلال عمليات التطبيق للحلول والتنفيذ للخطط والتحقيق ل

–         لتوافقات؛

–         المواءمة، وجهود التبسيط التقدمية والأكثر فاعلية.

أما مفهوم الحوار فيعني تناول عدة أطراف للحديث عن طريق الأخذ والرد، ووحدة الهدف الذي هو شرط أساسي في الحوار ليتبادل الأطراف النقاش حول موضوع معين. وقد يتم التوصل إلى نتيجة، وقد لا يفلح أحدهم بإقناع الآخرين. ويعرف مفهوم الحوار أيضا بأنه عملية تبادل الآراء والأفكار بين طرفين أو أكثر، لغرض بيان رأي معين أو حقيقة مؤكدة. وليس استخدام مفهوم الحوار بجديد حيث يرى البعض أن الحوار هو الأخذ والرد بين طرفين أو أكثر، وأنه المراجعة في الكلام، بهدف الوصول إلى مفاهيم متقاربة ولغة مشتركة، وتشخيص موحد يرمي إلى حل الخلافات والمشكلات والأمور العالقة إن أمكن، كما الحوار أيضا هو نوع من الحديث بين فردين، أو فريقين يتم فيه تداول الكلام، بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحد الأطراف دون الآخر، بعيدًا عن التعصب.

و في الفكر الثقافي والسياسي المعاصر يعد مفهوم الحوار من المفاهيم الجديدة، حديثة العهد بالتداول. وتدل جميع العهود والمواثيق الدولية التي صدرت خلال العقود الأخيرة، من بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة – وقد تخلت عن لفظ الحوار – رغم حداثة المفهوم وجدته. ويمكن كذلك تحديد مفهوم الحوار من التعريفات السابقة، على أنه تبادل للأفكار والآراء حول موضوع أو قضية معينة، بطريقة متكافئة بين طرفين أو أكثر، بعيدًا عن التعصب من أجل التوصل إلى مفاهيم متقاربة أو مشتركة وحل الخلافات وفض النزاعات بطرق سلمية.

وللحوار، بعدما تجتمع دواعيه ومبرراته وشروطه، آداب منها الصبر على اختلاف الآراء علما بأن الاختلاف من الطبيعة البشرية، وحسن البيان، واختيار الظرف المناسب، والبعد عن الاستئثار بالحديث واحتكار الرأي، وحسن الاستماع ببراعة بعيدا عن المقاطعة، وأول هذه الآداب البدء بنقاط الاتفاق. ومن آدابه كذلك:

–         الابتعاد عن التعصب للآراء أو التعصب للمواقف والأفكار؛ لأن الهدف من الحوار هو نشر الحق.

–         استخدام الألفاظ اللينة الحسنة، مع الابتعاد عن جرح المشاعر.

–         الحوار يكون من خلال الاعتماد على البراهين والحجج والدلائل الصحيحة.

–          النأي عن التناقض في الرد على الطرف الآخر،

–         والثبات على مبدأ الحوار. التواضع بالفعل والقول، والابتعاد عن الإنكار والاحتقار.

–         و الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق، وليس الانتصار على الطرف الآخر.

–         الإصغاء وحُسن الاستماع.

–         توفّر سِمَتَيْ الكفاءة في الحوار وفقه الحوار في المحاور.

–         معرفة مستوى التحصيل العلمي للطرف الأخر، وفهم نفسيته، وقدراته الفكرية سواء أكان مجموعة أو فردًا؛ لمخاطبته بحسب ما يفهم.

و إذ الحوار في بلادنا مطلب يتردد على ألسنة عديد القيادات السياسية المختلفة المشارب والتوجهات وذات المقاصد والحاجات المختلفة في النفوس التي يغيب عن معظمها الوطن بتجلياته ووحدته المهددة ولحمة أهله التي نسج الدين ذات مرة وأوثق عراها، فإن الخطابات الغير موثقة ولا المؤطرة غيبت الرؤى وأحدثت الشروخ وأبعدت النوايا عن بعضها حتى غطت الخلافات البزنطية على العمل الميداني التوعوي والتمهيدي لشحذ الهمم إلى العمل والبناء ومحاربة الفقر والجهل والمرض.

من هنا كان مطلب الحوار على غير هدى وبينة وفي غياب شروط قيامه ضربا من استعجال جلوس كل مكونات الطيف السياسي، حول ذات الطاولة، بلا جدول أعمال معلوم محل إجماع وإستراتيجية حوارية ممنهجة، هو ضرب من الخلط للأوراق أكثر وتعميق للخلافات العميقة وإبعاد كل أمل في الالتقاء حول أي من القضايا الكثيرة العالقة.

ومن هنا أتي أيضا ، من بعد استفحال الخلاف وإدمانه، مقترحُ رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بتقديم “التشاور” على “الحوار” كمبادرة فريدة، بالغة ملامح التأني وعلامات النضج ودقيقة مقصد خلق “التقارب” حول القضايا الكبرى؛ وحيث أن هذا التشاور تراءي كالمنفذ الوحيد إلى إعداد المشاركين على اختلاف مشاربهم توجهاتهم و ضبط خلافاتهم، والأداة المثلى والمنهج الرصين للتبادل والبحث عن نقاط التلاقي التي تهيئ “المنبر” الدائم لـ”لحوار” وفرض التعاون بين الأطراف المعنية من كل المشارب السياسية والحقوقية إلى الغايات المشتركة التي تصب في مصلحة الوطن الذي يسع الجميع ويعني الحفاظ عليه الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى