sliderالأخبار

مشهد جديد في موريتانيا(4)

كما توقعت لم يكن هذا اليوم الجديد من أيام محكمة الفساد مختلفا كثيرا عن اليوم الذي قبله؛ باستثناء استدعاء الشهود الذي قال لهم رئيس المحكمة أن ينصرفوا قبيل رفع الجلسة في الوقت المعتاد وقت الظهر.

داخل القاعة كان المتهم محمد ولد عبد العزيز يجلس على كرسيه المعتاد داخل القفص قريبا من فريق الدفاع ؛ لكنه اليوم بيده ورقة وقلم ويدون ملاحظاته على فريق دفاعه
لم يعد المتهم ولد وداعه قريبا من المتهم يحي ولد حد أمين فقد جلس بينهما المتهم محمد سالم ولد البشير واحتل المتهم ولد بوبات مقعده يسار ولد حد أمين.

كان الدفاع في حالة رد على مرافعات الادعاء العام وفريق محامي الدولة أمس ؛ ولكي لا أطيل السرد ؛ فقد كان فريق الدفاع يرافع بالمرجعية القانونية للحكمة السامية كصاحبة اختصاص بملف الرئيس السابق ؛ ويرافع الادعاء العام وفريق محامي الدولة بالمرجعية القانونية لمحكمة الفساد؛ لذلك لاوجود لمشترك قانوني مرجعي بين الطرفين؛ مما يعني استحالة اللقاء بين خطين متوازيين.

بيد أن هناك نقطة لقاء خفية قانونية بين الفريقين.

فالمادة 93 تحصن الرئيس السابق من المساءلة عن تأدية مهامه الرئاسية المنصوص عليها في الدستور والقانون ؛ لكنها لاتحصنه من أي ممارسات خارج مهامه المنصوص عليها دستورا وقانونا ؛ وأنصح فريق الدفاع عن الدولة أن يذكر ذلك في مرافعة؛ والمحكمة لا تعارض تحصين تلك المادة للمهمات الرئاسية المحددة دستورا وقانونا ؛ وكذلك فريق محامي الدولة.

مايجري الآن هو محاكمة الرئيس السابق على مهمات أنجزها خارج نطاق المادة 93 وليست مطلقا من المهام التي يحصنه الدستور والقانون ضد المساءلة عنها.

فالطعن الإجرائي مقبول شكلا ومرفوض موضوعا ؛ ومحكمة الفساد لها كامل الاختصاص في القضايا المعروضة ؛ المسنودة بمحجوزات وأدلة يقينية ؛ على المتهم وفريق دفاعه الرد عليها.

قررت أن أمنح جمهور القاعة وقتا بعد رفع الجلسة كعينة من عينات جمهور المحكمة شبه الدائم.

كان المحامون يتحلقون ثلاث ورباع في ظل جدران مجمع قصر العدل ، وتقاسم جمهور من النساء بعض الممرات المظللة ؛ واحتلت أخريات غرفا مفتوحة وهن يتناولن وجبات غداء .

ولم أطل التجوال في فناء قصر العدل حتى رأيت تجمهرا خفيفا قريبا من بهو المحكمة به شخص أعرفه من أنصار عزيز .

فاجأته بالقول كنت أبحث عنك فقد رأيتك في مادة مصورة تهدد وتتوعد ؛ وعليك أن تدرك أن للجميع حرية التعبير عن مواقفهم بتحضر ووعي ؛ وأن ذلك لا يستدعي لغة المزايده والمبالغة ؛ فأنا ضد عزيز وأنت معه وهذا حق يكفله القانون ؛ وكنت أود استثارته بذلك ؛ مقدرا أنه لن يتعرف علي ؛ قام من جلسته وقال أنت من جاء (يشاير ) ويتحدث باستفزاز ؛ قلت له ليس استفزازا وإنما بيانا لخطإ ارتكبته أنت في خطابك الموجه للرأي العام.

نظر يمينا ويسارا ثم نظر إلي وقال للجماعة من حوله هذا (الجكاني شاك عن اكد يستفزني) وضحك ؛ كانت المجموعة من أنصار عزيز ؛ وقد سعدت بجلسة نصف ساعة معها ؛ دار فيها حديث شد وجذب بيني مع ذلك الرجل ، وكان جمهورنا متحمسا للحوار.

قلت له ماجاء بك اليوم قال أنا من الشهود وسأشهد شهادة لله رغم أني مناصر لابن خالتي القائد الرمز ؛ فقلت له أنت شاهد ضد عزيز ؛ فقال أنا لن أكتم الشهادة لله؛ وبادر بعض الجلوس بسؤالي عن تصوري لمسار المحكمة فقلت له ؛ أنا مختلف عن جمهور المحكمة من أنصار عزيز وخصومه ؛ فهي مرحلة متقدمة من مراحل إغلاق الملف ؛ والأفضل للرأي العام أن يترك المحكمة تنجز عملها.

أحسست بالجوع فانطلقت في رحلة بحث داخل مبنى قصر العدل الضخم وعثرت على مقهى صغير هو مجرد دكان صغير في أقصى ركن داخل المبنى لأذهب بحثا عن مخرج أعود منه لقاعة محكمة الفساد

وجدت مخرجا خلفيا قادني للفة كاملة من خلف المبنى لأتناول كأس شاي مع سرية من سرايا الأمن التي يبدو أن بعض أفرادها كان في حراستي عام 2017 بمقر سرية الإرهاب ؛ فقد نادى علي مسلما .
عدت لقاعة المحكمة لأجد الجلسة المسائية قد انطلقت والدفاع يلوك المادة 93 لليوم الثاني ؛ وعزيز على كرسيه يدون الملاحظات.
قررت التوقف عن متابعة ذلك التكرار الممل الذي يرفض الدفاع به الدخول إلى الموضوع .

المستشار عبد الله ولدبونا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى