sliderثقافة ومجتمع

د.الشيخ ولد سيدي عبد الله: شوقي أكثر إبداعا من البوصيري في الميمية والهمزية

اليوم خلال حصتي في الجامعة تحدثت عن شعر المديح النبوي وقلت فيما قلت : إن أحمد شوقي هو أكثر الشعراء المعاصرين مدحا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مظلوم نقديا، ولم يلقَ شعره ما يستحق من الدراسة..
وقلت إن الله حباه صورا شعرية في مديحياته لم تتح لحسان ولا لكعب ولا البرعي .. ذلك أن عبقرية شوقي تمثلت في عدم جعل القصيدة نظما لسيرة ابن هشام كما يفعل العديد من شعراء المديح وإنما كان يتخذ من أخلاق النبي بحرا يغرف منه ويشكل صوره الشعرية الآسرة، ويكفي أن نقرأ هذا المقطع :

فَـإِذا سَـخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى == وَفَـعَـلـتَ مـا لا تفعل الأَنواءُ

وَإِذا عَـفَـوتَ فَـقـادِراً وَمُـقَدَّراً == لا يَـسـتَـهـيـنُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

وَإِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ == هَـذانِ فـي الـدُنيا هُما الرُحَماءُ

وَإِذا غَـضِـبـتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ == فـي الـحَـقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ

وَإِذا رَضـيـتَ فَـذاكَ في مَرضاتِهِ == وَرِضـى الـكَـثـيـرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـلمَنابِرِ هِزَّةٌ == تَـعـرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ

وَإِذا قَـضَـيـتَ فَـلا اِرتِيابَ كَأَنَّما == جـاءَ الـخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ

وَإِذا حَـمَـيـتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو == أَنَّ الـقَـيـاصِـرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ

وَإِذا أَجَـرتَ فَـأَنـتَ بَـيتُ اللَهِ لَم == يَـدخُـل عَـلَـيهِ المُستَجيرَ عَداءُ

وَإِذا مَـلَـكـتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّها == وَلَـوَ اَنَّ مـا مَـلَكَت يَداكَ الشاءُ

وَإِذا بَـنَـيـتَ فَـخَيرُ زَوجٍ عِشرَ == وَإِذا اِبـتَـنَـيـتَ فَـدونَـكَ الآباءُ

وَإِذا صَـحِـبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّماً == فـي بُـردِكَ الأَصـحابُ وَالخُلَطاءُ

وَإِذا أَخَـذتَ الـعَـهـدَ أَو أَعطَيتَهُ == فَـجَـمـيـعُ عَـهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ

وَإِذا مَـشَـيـتَ إِلى العِدا فَغَضَنفَرٌ == وَإِذا جَـرَيـتَ فَـإِنَّـكَ الـنَـكباءُ

فلو أن شاعرا غير شوقي تناول هذه القيم، فسيلجأ إلى مواقف للنبي صلى الله مشهودة في سيرته ثم يقوم بسردها نظما، وبذلك تنعدم الصورة الشعرية وتختفي البصمة الابداعية للشاعر..

قلت للطلبة اليوم : إنني أجد شوقي أكثر إبداعا من البوصيري في الميمية والهمزية وأجده أكثر تحليقا في بائيته ( سلوا قلبي) ..
وذكرت لهم أن شيخ الأزهر بشّر شوقي في مرض موته برسالة من النبي صلى الله عليه وسلم ..
ونص القصة رواه العديد من الدعاة والأئمة المصريين .

تقول القصة :

لما مرض «أحمد شوقى» مرضه الأخير الذى لقي فيه ربه، دخل عليه ذات صباح مرافقه الخاص وقال له إن رجلا ينتظرك بالخارج ويقول إن اسمه “محمد الأحمدى الظواهرى “.
فهبَّ «أحمد شوقى» من فراشة مسرعاً وهو يقول إنه شيخ الأزهر.
وخرج إليه وهو يقول مرحباً بالإمام الأكبر.
فلما جلسا قال الشيخ الظواهرى لأحمد شوقى:
لقد جئتك مأموراً من رسول الله – صلى اللَّهُ عليهِ وسلم.
لقد زارنى الليلة الماضية فى المنام وأمرنى أن أخبرك أنه – صلى الله عليه وسلم – فى انتظارك.
بكى أحمد شوقى من شدة الفرح بهذه البشارة

ولم يمض على هذا اللقاء إلا أيام يسيرة ولحق أمير الشعراء أحمد شوقى بجوار ربه.

يقول الشيخ الشعراوى:

لا تقولوا شوقى رحمه الله ولكن قولوا شوقى رضى الله عنه ، فلم يمدح النبى صلى الله عليه وسلم، أحدٌ من الناس بمثل ما مدحه به شوقى حين قال :

أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدرىِ == بمدحكَ بَيّدَ أنّ لىَّ إنتسابا

وما عَرِفَ البلاغة ذو بيانٍ == إذا لم يتخذكَ له كتابا

مدحتُ المالكِينَ فزدتُ قدرا == وحين مدحتُكَ إقتَدتُ السحابا

وما للمسلمين سواكَ حصنٌ == إذا ما الضّرُ مسّهُمُ ونابا

والغريب أنها نفس الابيات التي قلت للطلبة إنها تكفي شوقي ليُعدّ سيد المديح النبوي.. فجاء اتفاقي مع الشيخ الشعراوي صدفة…

د.الشيخ ولد سيدي عبد الله

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى