مقالات ورأي

الكتور السعد ولد لوليد ـ يكتب: رأيت ” كوندي” في نواكشوط ….لكنني لا أريد أن أرى “مامادي دومبيا ” في القصر الرمادي

في نهاية تسعينات القرن الماضي أيام حكم الرئيس الأسبق معاوية و لد الطايع كان المعارض الغيني الشرس ” كوندي ” ضيفا دائما في بيوتات زعماء و نشطاء و كبار معارضي نظام ولد الطائع هنا في نواكشوط..
سنوات قليلة بعد ذلك و تحمل صناديق الإقتراع الكوناكرية و جماهير المعارضة ” صديقنا كوندي ” لى سدة الحكم ليتحول من ديمو قراطي و ديع و سياسي منصور و زعيم محمود إلى دكتاتور مرعب روض الحركات و الأحزاب و المؤسسات و دفع بمعارضيه إلى غياهب السجون و سوح المنافي و جير القضاء لصالحه و مييع العدالة و النيابة و قيد الحقوق و الحريات و تغول على القضاء و إحتكر الإعلام و دبب الإعلاميين و قاد أعظم حملة إبادة و تصفية عرقية ضد أكبر مكونات شعبه ” من قومية الفلان .
مشهد و سلوك تكرر مرارا في السنغال ” واد ” وساحل العاج ” باغبوا ” و ” واتارا ” ومالي ” كيتا : جميعهم كانوا من قادة معارضة ” المغاضبة” معارضة التطبيع المعارضة الشخصية ومعارضة المشويات و ربما كان الشيئ نفسه سيحدث عندنا لو.قدرلها الوصول وهي التي كانت ( المعارضة ) في هذه البلدان و عندنا تستغل هموم الشعوب و أحلام شبابهم و حينما تصل لسدة الحكم تكون أفيون الشعوب و جلادة الشعوب و قاهرة الجماهير و محطمة أحلام الشباب و قاتلة الحلم الكبير ( الحرية و العدالة و المساواة )!
لحظات من التاريخ السياسي للديمقراطية و الحكم في إفريقيا تكشف لنا بجلاء زيف معارضتنا و معارضيها في القارة و سلوكهم الخفي الذي يجتهدون دائما في تغليفه بالشعارات الإستهلاكية التحريضة الإستغلالية التي تسكها قياداتهم غالبا و تسوقها نخبهم و تصرفها جماهير منكوبة و مبتلات بنخبة وصولية و مغرربها لتكون النتيجة إنقلابا آخر بعد ما تتساقط الأقنعة لأصحاب الوجوه الخشبية لحكام اليوم معارضة الأمس.
و تنقلب أدبيات و نظريات من لم يصل منهم إلى الحكم فيصبح الحاكم الضعيف بالنسبة لهم صاحب مسحة أخلاقية لما عجزوا عن الوصول لكرسيه و يصبح تكميم الأفواه عندهم في زمنه تنضيم الحريات ! و منع الوقفات و المسيرات و الإحتجاجات التي كانت ديدنهم حفاظا على السكينة و الأمن العام! و المطالبة بالحقوق الفردية و الجماعية للمكونات و الإثنيات و القوميات التي كانت خطابهم دعوة إلى الفتنة و تهديد للسلم الإجتماعي و الوحدة الوطنية !
و تصبح هموم الشعب و آلامه و مطالب الجماهير التي كانوا يبيعونها تجارتهم بالوهم و الكذب بالأمس ! المطالبة اليوم بالصحة و التعليم والأمن و تحسين ظروف المعيشة و ضبط الأسعار و دعم السلع الأساسية و الإستهلاكية و توفير الخدمات الحياتية من ماء و كهرباء و مواصلات هو نوع من بطر الشعب و تنمره على الحاكم الذي في نظرهم و تزلفهم يجب أن يمنحوه الفرصة لإلتقاط أنفاسه و إلتقاط الصور مع معارضته السالفة ( موالاته الجدبدة الغريبة ) التي كانت بالأمس تخوض ضده أشرس الحملات و الدعايات المغرضة الشخصية و العامة و تردد في وجهه “يسقط يسقط حكم العسكر” !
مثل هؤلاء الحكام و هذه المعارضات و هذه النخب هم دائما من يهيئ البيئة و المناخ و الظروف الملائمة و الأسباب الموضوعية لنخبة الجيش في المنطقة و أصحاب الأحذية الخشنة في القارة من أمثال الفارع ” دومبيا ” للإنقضاض على الحكم و الحاكم و العودة بالدول و الشعوب و أقزام النخب إلى الحظيرة إلى المربع الأول إلى ما قبل التجربة الديموقراطية الهشة و المزييفة.
التجربة ذاتها التي يتسلقها كل دكتاتور في ثوب ديموقراطي و كل إقطاعي و قبلي و جهوي في ثوب تقدمي وكل وصولي في ثوب حداثوي و كل مرتزق إنتهازي في ثوب مبشر بالحقوق و الحريات ليجر البلاد غالبا إلى الإنسداد السياسي و إنعدام الثقة الإجتماعي و غياب الدولة و القانون و أحيانا الإنزلاق إلى مستنقع الدولة الفاشلة المتحاربة المتقاتلة الذي سقطت فيه دول عديدة مثل ‘ ساحل العاج و ليبيا و إفريقيا الوسطى .
إن ما تحتاجه منطقتنا الإفريقية ساحلها و جنوبها غربها و شرقها ليس فقط هياكل و نظم و تشريعات و مؤسسات ديموقراطية فحسب ! بل هي تحتاج أكثر من ذلك و أعمق إلى ديموقراطيين حقيقين صادقين و مخلصين يؤمنون بالإختلاف و بأصالة الحرية و عمومية العدل و تجرده و علوية الدساتير والقانون و سمو العدالة و مؤسسات تخدم المواطن في دولة المواطنة الحقة الكاملة و المتساوية.
حينها لن تكون هذه البلدان و حكامها يخشون جيوشا في ثوب مؤسسات يحشر قادتها و ضباطهم أنوفهم في شؤون السياسة و الحكم و يديرون ظهور لحماية الوطن و المواطن متخلفين عن مهماتهم التقليدية الأصلية و النبيلة في الدفاع و الأمن و منغمسين في صراعات لا تنتهي مردها فشل النخبة المدنية و السياسية و تملقها للحاكم و تحللها من مبادئها و ثقافتها الديمقراطية و تنكرها لمشاريعها البراقة التي كانت تغرربها الجماهير و تخدع بها البسطاء من عموم الناس.
إني فعلا أرى نخبة من ذلك الصنف البائس العاجز و المتملق الوصولي الذي مرد على التحلق حول الكرسي و الإنحناء لدرجة السجود عند الأحذية الخشنة تتحلق حول حاكمنا اليوم.
كما أرى في تبريرات باعة الوهم منهم بالأمس من دعاة التقدمية و التحرر و الديمقراطية( مدونين و إعلاميين و ساسة و إسترزاقيين أحزابا و حركات) لسوء إدارة الدولة اليوم و فشل النظام اليوم و ضعف الحكم و الحكومة اليوم و إرتفاع الأسعار و سوء الخدمات اليوم و إنهيار منظومة القانون و العدالة و العدل اليوم و إستقالة النخبة و إنغماس جلها في الفساد و تمترس البقية خلف المحسوبية و القبلية و الجهوية اليوم ظروفا موضوعية و بيئة مشابهة لبيئة غينيا كوناكري بيد أنني لا أريد أن أشاهد “مامادي دوميبا” في القصر الرمادي.
تصبحون على عدل و وطن يجمعنا.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى