زيارة الحوض الشرقي… ملامح تحول سياسي وتأسيس لمرحلة موريتانية جديدة
الولي ولد اباتي
مرت زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للحوض الشرقي بهدوء واتزان، لكنها خلفت وراءها موجة من الدلالات السياسية والإنمائية العميقة، وفتحت الباب واسعا أمام قراءة جديدة لمستقبل المشهد السياسي في موريتانيا.
لم تكن الزيارة، مجرد محطة عابرة في برنامج حكومي؛ بل بدت وكأنها لحظة تأسيس جديدة تعيد ترتيب الأولويات، وتضبط بوصلة التوجهات في مرحلة داخلية حسّاسة.
برنامج استعجالي بنَفَس تنموي
إحدى أبرز ثمار الزيارة تمثلت في النصيب الهام الذي حصلت عليه الولاية من البرنامج الاستعجالي، وهو ما أعطى مؤشرا واضحا على جدية الدولة في معالجة الاختلالات التنموية القديمة ورفع العزلة عن واحدة من أهم مناطق البلاد استراتيجيا وديموغرافيا.
مواجهة صريحة للقضايا البنيوية
لم يتردد الرئيس في طرح ملفات لطالما تجنبتها الخطابات الرسمية، فتمت خلال الزيارة مناقشة قضايا تمس جذور المجتمع والدولة، أبرزها:
القبلية والجهوية والعنصرية، وما تفرزه من اختلالات اجتماعية تعيق بناء دولة المواطنة.
قضية الاستخلاف التي ظلت حديث النخبة والصالونات السياسية، وما تسببه من توتر داخل الأغلبية.
الملف المالي الذي يمثل التحدي الأمني الأبرز على الحدود الشرقية، وهو ملف لا يمكن تجاهله بالنظر إلى حساسيته وارتباطه المباشر باستقرار البلاد.
هذه الصراحة لم تكن مجرد كشف للواقع، بل بدت إعلانا لمرحلة جديدة قوامها الحكم الرشيد ومصارحة الشعب.
حرب على الفساد… بلا تصفية حسابات
أحد أقوى رسائل الزيارة كان خطاب الحزم في محاربة الفساد. فرسالة الرئيس جاءت واضحة:
لا حصانة لأي شخص، مهما كانت قرابته أو قربه من السلطة.
لكن اللافت في المقاربة أنها لم تنزلق إلى منطق الانتقام أو تصفية الحسابات، بل وضعت مكافحة الفساد في إطار دولة القانون لا دولة المزاج السياسي.
إن طُبقت… فسنكون أمام إنجازات تاريخية
مجمل القضايا التي شملتها محطات الزيارة، إذا ما تحولت إلى قرارات فعلية وخطط تنفيذية، فإن موريتانيا ستكون أمام منعطف تاريخي يؤسس لدولة قوية ويبدد غيوم الغموض التي تُخيّم على المستقبل السياسي والاقتصادي.
زيارة بدّلت المزاج السياسي… وأعادت رسم التوقعات
قبل الزيارة، كانت القناعة السائدة – لدى النخبة والشارع وحتى داخل الأغلبية – أن الرئيس سيغادر السلطة بانتهاء مأموريته الحالية، ما جعل ملف “الخلافة” يشكل عنصر اضطراب داخل الأغلبية ويهدد تماسكها.
لكن بعد الزيارة تغير المشهد جذريا:
لم يعد أحد متيقناً من أن الرئيس سيغادر.
هذا التحول لم يكن مجرد انطباع عابر، بل أصبح عنصراً أساسياً في إعادة تماسك الأغلبية السياسية، وجعل الجميع يتفرغ لتنفيذ البرنامج الوطني بدل الانشغال المبكر بسباق الخلافة.
حضور غزواني… جدارة سياسية تتأكد
أبرزت زيارة الحوض الشرقي – بوضوح لا لبس فيه – أن الرئيس ولد الشيخ الغزواني يمتلك رصيداً من الهدوء والحكمة والقدرة على إدارة التوازنات يجعله رقماً أساسياً في أي مستقبل سياسي يرسم للبلاد.
خطابات ولد الشيخ الغزواني ، وطريقة تعاطيه مع الأزمات، وجرأته في طرح الملفات الكبرى، كلها رسائل تشير إلى أن دوره سيكون محوريا في صياغة ملامح المرحلة القادمة، سواء داخل السلطة أو في فضاء السياسة الوطنية الأوسع.
هنا نخلص إلى القول، إن زيارة الحوض الشرقي لم تكن مجرد نشاط رئاسي ناجح؛ إنها محطة مفصلية أعادت ترتيب الأوراق السياسية، وفتحت آفاقا أرحب لموريتانيا، ورسّخت قناعة أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة، أكثر وضوحاً وأكثر أملاً… مرحلة يتصدرها حضور سياسي متماسك ووازن لرئيس أثبت أنه قادر على قيادة التحولات الكبرى دون ضجيج، وبحكمة تحافظ على استقرار الدولة وتدفعها نحو المستقبل.
الولي ولد اباتي
المستشار في الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب.





