sliderالمبتدأ

الذكرى 557 لاختطاف 235 موريتانيا وسبيهم من قبل البرتغاليين

تحل غدا، 8 أغسطس 2021 ، ذكرى مرور 577 سنة (خمسة قرون و سبع و سبعون سنة) على اختطاف مائتين و خمسة و ثلاثين من البيظان من كل الفئات الاجتماعية، و من بينهم أطفال و نساء و شيوخ، وسبيهم من سواحلنا الأطلسية من طرف البرتغاليين و بيعهم كعبيد في مدينة لاغوس بالبرتغال، و ذلكيوم 8 أغسطس 1444 م. 

لقد تم شحن هؤلاء من جزيرة آرغين على متن السفن العسكرية البرتغالية التي اجتاحت شواطئنا منذ1441 لتستمر السيطرة البرتغالية على سواحلنا زهاء قرنين من الزمن (من 1441 إلى 1634 ) . 

في الواقع لا تمثل هذه “الشحنة” من بني جلدتنا إلا مثالا واحدا لمئات بل لآلاف الأفواج من سكانشواطئنا الذين اختطفوا و تم سبيهم من طرف البرتغاليين ومعاملتهم كعبيد منذ بدء الحرب الضروسالتي قاموا بشنها على واجهتنا البحرية و في بعض الأحيان على اليابسة فيما سمي بالكشوفات الجغرافيةالكبرى و التي كان عقلها المدبر و مخططها الأمير هنري الملاح، و هو الذي حضر بنفسه توزيع هذا الفوجمن سبايا بلدنا و الذين يعدون بالآلاف.

بمناسبة هذه الذكرى الأليمة، أشارككم الفصلين 24 و 25 من كتاب المؤرخ البرتغالي آزورارا الموسوم: 

Crónica do descobrimento e conquista da Guiné

و الذي قمت بترجمته كاملا إلى العربية و تحقيقه سنة 2015 تحت عنوان:

تاريخ اكتشاف و غزو غينيا

أو تاريخ الغارات البرتغالية على

سكان الساحل الموريتاني الحالي

تم تأليف الكتاب الأصلي سنة 1453 م من قبل غوميش إيانيش دي آزورارا بأمر من ملك البرتغال في ذلكالوقت،  الفونسو الخامس، و كان المؤلف حينها مديرا مساعدا للأرشيف الملكي البرتغالي و بعد انتهائهمن هذا العمل تمت مكافأته بتعيينه مديرا عاما للأرشيف الملكي البرتغالي و حتى وفاته.

الهدف من تأليف هذا الكتاب كان العرفان بالجميل من طرف الملك ألفونسو المذكور لعمه الأمير هنريالملاح على ما قام به به في إطار الكشوفات المذكورة و غزوه لسواحلنا و بقية سواحل غرب إفريقيا، و هوما مكن من إيجاد طرق للتجارة خارج الأبيض المتوسط شكلت بديلا و متنفسا للبرتغال و قفزت بها إلىأن أصبحت قوة أوروبية يحسب لها حسابها.

الفصلان المذكوران يقدمان صورة، و لو مختزلة جدا، عن المآسي التي ألحقها البرتغاليون بنا كشعب إباناحتلالهم المشؤوم لسواحلنا.   

يظهر من خلال هذين الفصلين تأسف المؤلف لحال السبايا و تعاطفه مع وضعيتهم المأساوية؛ فكيف لانأسف نحن و نتحسر على حالهم و نتجاوز ذلك للماطلبة بإقامة نصب تذكاري لهم في جزيرة آرغين، وذلك لعمري أضعف الإيمان..

*****

الفصل 24 

كيف وصلت السفن إلى لاغوس  و الإبلاغ الذي قام به لانساروته إلى الأمير

وصلت السفن إلى لاغوس، التي منها انطلقت، فكان الطقس ممتازا طيلة رحلتها، فلحسن الحظ لم يكنهدوء الطقس أقل لطفا مما كان عليه الحال قبل سبي غنيمتهم.

و من لا غوس وصلت الأخبار إلى الأمير الذي قدم إليها ساعات قبل ذلك من جهات أخرى كان يوجد بهامنذ أيام. و كما قد تلاحظون، فإن الناس مولعون بالاطلاع، بعضهم حاول أن يكون بالقرب من الساحل،كما أن البعض الآخر ركب على القوارب التي كانت راسية على الشاطئ، فذهبوا للترحيب بأقاربهم

و أصدقائهم. و في وقت وجيز ذاع خبر حظهم الوافر ففرح الجميع بذلك. في هذا اليوم كان منالمناسب أن يقوم من قادوا هذا المشروع بتقبيل يد الأمير مولاهم و تقديم إبلاغ مقتضب له عن الأعمالغير المسبوقة التي قاموا بها: بعد ذلك خلدوا إلى الراحة، حيث عادوا إلى وطنهم الأم و إلى بيوتهم. يمكنك أن تتخيل مدى فرحهم و هم بين أزواجهم و أطفالهم.

في اليوم الموالي و بوصفه من تولى المسؤولية الأهم في هذه الحملة، خاطب لانساروته الأمير قائلا: “مولاي! سموكم يعلم أن لكم نصيب الخمس من هؤلاء البيظان و من كل ما حصلنا عليه من تلك البلاد،حيث بعثتمونا لخدمة الرب و خدمتكم أنتم.

الآن فإن هؤلاء البيظان، نظرا للوقت الطويل الذي أمضيناه في البحر و كذا الحزن الكبير الذي يشعرونبه، كما قد تلاحظون، لكونهم وجدوا أنفسهم بعيدين عن موطنهم الأصلي و قد وقعوا في الأسر، دونمعرفة المصير الذي ينتظرهم، و الأهم من ذلك أنهم لم يتعودوا على الحياة على متن السفن، لتلكالأسباب مجتمعة فإنهم بائسون و في ظروف تعسة، لذلك أرى أنه قد يكون من الأفضل إصدار أمربإخراجهم من السفن فجرا و وضعهم في ذلك الحقل الذي يقع خارج باب المدينة، و من هناك يتمتقسيمهم إلى خمسة أسهم، حسب العرف، فيأتي سموكم إلى هناك ليختار أيا من تلك الأسهم.”

عبر الأمير عن غبطته الكبيرة بذلك، و في وقت مبكر من اليوم الموالي أمر لانساروته قباطنة السفنبإخراج الأسرى و الذهاب بهم إلى ذلك الحقل، حيث سيتم تقسيمهم، كما ذكر سابقا. بيد أنه قبل القيامبأي شيء بهذا الخصوص، قدموا أفضل هؤلاء البيظان كقربان لكنيسة ذلك المكان، ثم أرسلوا أيضابيظانيا صغيرا، سيصبح راهبا في كنيسة سانت فرانسيس، إلى كنيسة فينسنت دو كابو، حيث عاش هناكفيما بعد كمسيحي كاثوليكي، دون فهم أو معرفة أي شرع آخر إلا الشرع الحقيقي و المقدس و الذيننأمل منه نحن المسيحيون أن يحقق خلاصنا. كان عدد من تم أسرهم من البيظان في هذه الحملة 235 .

*****

الفصل 25

و فيه يبدي الكاتب رأيه بخصوص الشفقة التي أحس بها إزاء الأسرى و كيف تمت القسمة

آه يارب!، أنت الذي تحكم الجموع اللامتناهية في المدينة المقدسة ، بيدك القوية، دون تغيير لجوهركالإلهي، و تمسك محاور دوران العوالم العلوية المقسمة إلى تسع مناطق، تطيل الأعمار و تقصرهابمشيئتك، أتوسل إليك أن لا تخون دموعي ضميري، ذلك أنه ليس بسبب دينهم، بل لإنسانيتهم أبكيتعاطفا مع معاناتهم. فإذا كانت الحيوانات البهيمية، بشعورها الوحشي، تدرك عبر الغريزة الطبيعيةالتعذيب الذي يتعرض له جنسها، فكيف تتصرف طبيعتي الإنسانية عند ما أشاهد بأم عيني هذا الجمعالبائس و أتذكر بأنهم هم أيضا من ذرية آدم؟

في اليوم الموالي، الذي كان الثامن من شهر أغسطس ، و في الصباح الباكر نظرا لارتفاع درجة الحرارة،بدأ البحارة في تجهيز سفنهم و إخراج السبايا الأسرى و نقلهم إلى الشاطئ، طبقا للتعليمات الصادرةإليهم. بعد أن تم وضعهم جميعا في ذلك الحقل، كان مظهر هؤلاء جد غريب. فمنهم من كان شديدبياض البشرة

و يبدو جميلا و متناسق الجسم، البعض الآخر كان أقل بياضا كالخلاسيين، و الآخرون كانوا سودا  كالأحباش و قبيحي الملامح و الجسم، فكان يبدو هؤلاء لأولئك الذين ينظرون إليهم كصور لنصف الكرةالأرضية السفلي. 

لكن أي قلب، مهما تكن فظاظته، لن ينفطر شعورا بالشفقة عند مشاهدة هذه المجموعة؟ البعض منهمطأطأ رأسه و الدموع تغمر وجهه ينظر كل منهم إلى الآخر؛ البعض أيضا وقف يتأوه بألم

و ينظر إلى الأعلى نحو السماء، شاخصا بصره نحوها و يصرخ بصوت عال و كأنه يستغيث بفاطر الطبيعة؛آخرون كانوا يصكون وجوههم بأيديهم و يسقطون على الأرض، كما أن آخرين عبروا عن حسرتهم بألحانحزينة و فق تقاليد بلدهم. و مع أننا لم نتمكن من فهم ما كانوا يتحدثون به من لغتهم، فإن صوتهايتناغم جيدا مع وتيرة كمدهم. 

بيد أنه للتمادي في زيادة معاناتهم، حضر الآن من هم مكلفون بتقسيم السبايا إلى أسهم و بدؤوا فيإبعاد كل منهم عن الآخر بغية تقسيم متساو للأخماس، فكان يتعين فصل الآباء عن الأبناء

و الأزواج عن الزوجات و الإخوة عن الإخوة. لم تكن هناك مراعاة لعوامل الصداقة أو القرابة، الكل ذهبإلى السهم الذي وضع فيه.

آه يا عظيم الثروة، فعبر أبراجك تعقد و تحل، تدير شؤون العالم وفق مشيئتك، فهل عساك أن تُفْهِم هذاالجنس البائس بعض الأمور المستقبلية، حتى يحصلوا على بعض العزاء وسط كآبتهم الرهيبة. و أنتم، يامن أنتم منشغلون إلى هذا الحد بقسمة السبايا، انظروا بعين الرحمة إلى هذا البؤس و عليكم ملاحظةأن كلا من هؤلاء يرتبط بالآخر، لذا فإنه يصعب عليكم أن تفرقوا بينهم.

فمن يستطيع إكمال هذه القسمة دون عناء كبير؟ فأحيانا كثيرة عند ما يضعون الأبناء في نفس السهم ويشاهدوا آباءهم في سهم آخر، فإنهم ينهضون بقوة و يركضون تجاههم، ثم إن الأمهات يحتضن أطفالهنفي أذرعهن و يسقطن على الأرض معهن بعد تلقي صفعات بدون رحمة بسبب فلذات أكبادهن، إذا لميتركنهم. في هذا الخضم المرتبك، تم إنهاء القسمة، فبالإضافة إلى الجهد الذي بذل مع السبايا، فقد كانالحقل يغص بالناس القادمين من المدينة و من القرى و البلدات المجاورة، و الذين استراحوا في ذلكاليوم  من العمل الذي بواسطته يحصلون على قوتهم، و ذلك من أجل هدف واحد ألا و هو مشاهدة هذاالحدث. عند ما رأوا المشهد، حيث كان البعض يبكي في حين كان البعض الآخر يفصل  بين السبايا،فإنهم تسببوا في بلبلة كبيرة أربكت من كانوا يقومون بعملية التقسيم.

كان الأمير هناك، يمتطي صهوة جواد قوي يرافقه موكبه و يوزع امتيازاته، كمن ينتظر كسب ثروة صغيرةمن نصيبه و المتأتية من ستة و أربعين شخصا يمثلون نصيب خمسه، فقام بتقسيم سريع لهؤلاء، ذلك أنثروته الحقيقية تكمن في هدفه المنشود، حيث كان يفكر بغبطة كبيرة بخصوص خلاص هذه الأرواح منالضلال الذي كانت فيه.

د.أحمد ولد المصطف

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى