sliderثقافة ومجتمعمقابلات
الشاعرة روضة الحاج: المثقف هو من سيعيد تعريف السياسة
تطلُ على شُرفة ايقونة الشِعر السوداني بخِفة الصحافة والإعلام وبروح الشِعر التي تُحب،تميزت ببساطة الحضور الشِعري وعمق الكلمات الشِعرية. شِعرها تميز بدقة التصوير وجودةمعانيه والبساطة التي جمعت بين الماضي والحداثة، لتنساب لنا تجربة عربية ثرية جدًا اخذتالسلاسة في الطرح والعذوبة في الفكرة. كيف لا وهي شاعرة الفكرة كما تحب أن يطلق عليهاليسقط عنها شاعرية المراحل. ف هي ابنة الفكرة وحدها، تنسج الحب بكل أوجهه، وتسقط مفردةالأنثى في قصائدها. روضة الحاج شاعرة مُختلفة تكاد تحمل مدرسة شِعرية خاصة جدًا، لذا يليقبالشِعر أن تكون بين أروقة شُرفة نتجاذب معها أطراف الحوار بذائقة ممزوجة بالشِعر والحب.
انتبهت للشعر باكراً جداً ربما قبل أن أعي جيداً حينما كنت أطرب وأحفظ وأنا بنت خمس أو ست سنوات كل ما كان يردده والدي رحمه الله من (دوبيت) وهو فن شعري شعبي ما زال يحتل مكانة متميزة في وجدان أهل السودان خاصة أهل الريف والبوادي
ثم عرفتني والدتي باكراً على كبار شعراء السودان فقد كانت قارئة جيدة للشعر الفصيح
أما البداية فقد كانت بالقصة وأنا في الثانية عشرة من عمري تقريباً لكن ظل شيء ما في معلقاً على بوابة الروح حتى جربت الشعر فعرفت أنه قدري الذي كنت أبحث عنه
ومنذ ذلك الوقت لم نفترق!
سمعت ذلك وقرأته مراراً ، لكن يصعب علي أن أجيب بنعم وكذلك أعرف أن الإجابة بلا غير صحيحة
الآن وبعد سنوات من تجربة بداياتي عندما أنظر للوراء أدرك أنني قدمت شيئاً ما
وافترعت درباً جديداً، وأنني قد طرقت أبواباً ظلت مغلقة منذ زمان طويل واقترحت طريقاً للنساء المبدعات في بلدي على الأقل بل وفي محيطي، وأعجب من تلك الجرأة التي امتلكتها في ذلك العمر الغض. وأعتقد أنه قد كان من الجيد عدم إدراكي لما أفعله وأنا أعتلي المنابر جنباً إلى جنب مع كبار الشعراء، وأشارك في أمسيات شعرية ليس فيها من النساء غيري، وأتعثر في جلباب الشعر الواسع عليَّ في ذلك العمر، لكنني كنت أمضي وأمضي فقط وكأنني أستجيب لنداء ما !
يسعدني أنني قد فعلت ذلك لأجلي ولأجلهن أيضاً
تقاسمتني اهتماماتي العملية والثقافية بشكل قاس فقد كنت مصرة على أن أكون أماً ناجحة حتى ولو كان ذلك يعني أن أكون شاعرة فاشلة!
وكنت مصرة على أن أكون امرأة عاملة لأنني أؤمن بالاستقلال الاقتصادي للمرأة وفي ذات الوقت حرصت على أن أكون ربة منزل جيدة ورئيسة تحرير لمجلة مميزة ومذيعة ناجحة وبرلمانية لها بصمة وعضوة مجتمع ذات عطاء لمجتمعها
وأعتقد أنني وبفضل الله نجحت في كل ذلك
لكن لم يكن الأمر سهلاً
فقد ثابرت وتعبت كثيراً ودفعت أثماناً غالية لذلك الإصرار
لكنني لست نادمة على شيء
رغم نظرية رولان بارت ذائعة الصيت حول ( موت المؤلف) أو ( موت الكاتب) لكن يظل هذا حلم نقدي ربما يصعد النص إلى عليائه يوماً
وحتى ذلك الحين تظل الإجابة نعم
نحن أبناء بيئاتنا الاجتماعية والثقافية والجغرافية والتاريخية وغيرها، تتسلل بارادتنا أو بدونها إلى ما نكتب فتكسوه بلونها ورائحتها، لا نستطيع منها فكاكاً ولو حرصنا
تتميز بالثراء والتنوع والمغايرة
يزيدها تألقاً المتلقي السوداني الذي قلما تجدين له شبيهاً أو مثيلا
يخفت قنديل الشعر العربي الفصيح هنا ويتقد هناك ويكاد يخبو في بعض نوافذ العواصم والمدن العربية لكنه في الخرطوم ومنذ مئات السنين لا تزيده الأيام إلا توهجاً وصفاءً!
صحيح أن تأثيرات الضوائق المعيشية والاقتصادية قد خصمت الآن الكثير من هذا الألق فلا أمسيات شعرية ولا إبداعات تذكر
لكن مع ذلك يبقى الشعر حياً هنا وطروباً ينفعل به الجميع بمختلف مستوياتهم التعليمية والثقافية ومن الصعب ألا يميز قارىء الشعر النص السوداني عن سواه
فايقاعات افريقيا وطبولها وطقسها حاضرة بين ثنايا إيقاعات الخليل بن أحمد الفراهيدي!
هذه حالة كونية وانسانية وليست عربية فقط
تتكرر ف ي كل الأمم وفي كل اللغات
ومع ذلك أستطيع القول إن عدد الشاعرات الآن أكثر منه في أي وقت مضى إذا استثنينا الشواعر اللائي ورد ذكرهن ولم ترد أسماؤهن ولا أشعارهن عندما قال المتنبي (حفظت لمئتي شاعرة قبل أن أكتب الشعر)
المرأة السودانية ظلت مؤثرة وصانعة قرار وحاكمة وملكة منذ أيام الدولة المروية القديمة
وقد استطاعت أن تتقدم رصيفاتها في المحيط العربي و الافريقي فنالت حق الانتخاب باكرا ووصلت الى منصب قاضية بالمحكمة العليا وفريق في القوات المسلحة و الشرطة ومثلت نسبة 30% في اخر برلماني منتخب في السودان وهي فاعلة في مجتمعها بصورة كبيرة ومنذ القدم.
الاهتمام بالشأن السياسي ليس سبة أسعى للتبرؤ منها وأعتقد أن (مكرالساسة ) هو الذي صور للمثقفين والمفكرين أنها(لعبة قذرة)! إذا لم يكن المثقف هو من سيعيد السياسة إلى كونها ساحة عطاء عظيم لبناء الأوطان والإنسان فمن الذي سيفعل ؟؟
ألا يقوم المبدعون والمثقفون بواجبهم ويمارسون حقهم الانتخابي كمواطنين فيختارون ممثليهم في البرلمانات ورؤساءهم؟؟ ما الغريب إذن حينما يتقدمون الصفوف لقيادة مجتمعاتهم والمساهمة في بنائها؟
قاد شاعر عظيم كليوبولد سيزار سنغوربلاد السنغال إلى الاستقلال وكان لامارتين صاحب البحيرة وزيرا لخارجية فرنسا ارنست همنجواي وفيكتور هوجو وغيرهم كانوا ناشطين في أحزابهم وبرلماناتهم وفي الوطن العربي العشرات من لدن العميد طه حسين وزير المعارف إلى الدكتور غازي القصيبي وغيرهم كثر
ومع يقيني بذلك فانا لا أصنف نفسي كسياسية انا ناشطة ثقافية أرادت خدمة الثقافة والمجتمع عبر السياسة لأنها الوسيلة الوحيدة لذلك حتى الآن
وأشعاري الوطنية عن بلدي أو عن فلسطين وقضايا الأمة مصدر فخر لي
لا ينقصها شيء تقريباً!
الأسافير متاحة أمامها
الطريق
المجتمع أكثر تقبلاً لها من أي وقت مضى ممهد أكثر من أي وفت مضي
الظروف الثقافية والاجتماعية التي تكتب فيها الآن أفضل بكثير من تلك التي كتبت فيها فدوى طوقان قديماً والتي كتبت فيها سعاد الصباح حديثاً بما لا يقارن!
كان الطريق شائكاً جداً ووعراً ومخيفاً
لكن إصرار تلك القامات العظيمة من الشاعرات مهد الدرب لكل القادمات بعدهن
أردت دائماً ومنذ بواكير تجربتي أن تجد النساء أنفسهن فيما أكتب
تقمصتهن ونفسي
وتمثلتهن وذاتي
سمعت حكاياتهن وأوجاعهن وأحسستها فكنتهن بوعي وبدون وعي
المرأة دائمة حاضرة فيما أكتب
تملي النساء علي القصيدة وليس لي سوى اليد والورقة والقلم!





