sliderالمبتدأ

موريتانيا بين لعنة الثروة وشبح الانقسام: أي مستقبل ينتظر بلاد المليون فرصة؟

تعيش موريتانيا اليوم عند مفترق طرق تاريخي. فهي بلد غني بموارده الباطنية والمتجددة، يتمتع بموقع جغرافي بالغ الحساسية بين الساحل والصحراء وعلى مقربة من أوروبا، غير أن واقعه السياسي والاجتماعي يعكس مفارقة مؤلمة: ثروات هائلة تقابلها أزمات مزمنة.

منذ الاستقلال، ورثت نخبة محدودة ـ لا تتجاوز مئة أسرة ـ السلطة والثروة باعتبارها امتدادًا لهيمنة الاستعمار. ومع تعاقب العقود، تضاعف نفوذها بفعل المصاهرة والتغلغل في مفاصل الدولة. ولم يكتف النظام القائم بإدامة هذا الاحتكار، بل عمل منذ مطلع التسعينيات على استمالة أكثر من سبعمائة إقطاعي، هدفهم الأصوات لا غير، لشرعنة التزوير الديمقراطي. في المقابل، ظل التعليم يُدار بفلسفة الإفلاس المقصود، حتى يحتفظ أبناء اللوبيات بميزة التفوق والقيادة.

هذه البنية المريضة تجعل مستقبل موريتانيا مفتوحًا على ثلاثة سيناريوهات متباينة:

الاستمرار: بقاء السلطة في يد اللوبيات، واحتدام الإقصاء والفساد، مع اتساع الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.

الانفجار: إذ قد يقود استغلال التناقضات العرقية والمناطقية إلى صدامات خطيرة، تفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية، وتُدخل البلاد في فوضى شبيهة بجيرانها.

الإصلاح: وهو الخيار الأصعب، لكنه الوحيد الذي يفتح أفق الأمل. يقوم على تجديد النخب، إصلاح التعليم، توزيع الثروة بعدالة، وبناء عقد اجتماعي يتجاوز اللون والعرق نحو دولة المواطنة.

إن السؤال الجوهري اليوم ليس عن حجم ثرواتنا ولا عن موقعنا الجغرافي، بل عن قدرتنا على كسر الحلقة المفرغة: لوبي مسيطر + تفتيت عرقي + تعليم مفلس. فإذا وُجد مشروع وطني جامع، يمكن لموريتانيا أن تتحول من “دولة فرصة ضائعة” إلى قوة استقرار في الساحل، ومن “عبء أمني” إلى شريك تنموي.

التاريخ لا ينتظر المترددين. فإما أن تعي النخب أن الوقت قد حان لبناء وطن لكل أبنائه، أو أن تسلم البلاد إلى لعنة ثروة لم تجلب إلا الانقسام والخذلان.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى