
لعبة الهيمنه ومآلاتها
يمكن تصفح الفصل الأول منها من خلال تفكيك الوضع خلال مانقضى من المأمورية الأولى
لا شك أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ليس سيئا ولايمكن أن يكون كذلك كما يقول زميلي الكاتب سيدي عالي بلعمش.
فهو أول رئيس للجمهورية قادم من عمق الشعب ؛ ولديه تجربة عميقة تجعله واعيا لوضع بلده ؛ ومنغصات أمنه الداخلي والخارجي.
ولاشك أنه وضع أول بصمة اقتصادية باتجاه بلوغ عصر التمكين الاقتصادي لبلدنا الغني بالموارد ؛ والفقير معا.
لكن لكل رئيس حلقات صراع حوله تسعى جاهدة للتأثير في رؤيته وصناعته للقرار.
ورغم أن ذلك الصراع حول الرئيس لم تحسم حلقات منه بعد ؛ إلا أن حلقة بارزة لرجال الصراع تكاد تكون قد استكملت ؛ وتأثيرها في لعبة الهيمنة بارز.
يسعى كل نظام حاكم للهيمنة ؛لافرق في ذلك بين نظم ملكي أو دكتاتوري أو ديمقراطي أو ديني أو عسكري.
الفرق بين الأنظمة الديمقراطية وغيرها في السعي لتحقيق الهيمنة هو في وسائل تحقيقها .
ولا هيمنة دون إشراك القوة الصلبة في الدول كأداة هيمنة تبرز أو تختفي حسب نسبة الوعي المدني في الدول الديمقراطية
ففي آمريكا والغرب تختفي قوة الجيش خلف بريق الديمقراطية ؛ لكنه بريق تصنعه المؤسسات العسكرية الغربية وتحميه وتتحكم في توجيهه ؛ فكل الترشيحات للمنافسة الدينقراطية محكومة بهميمنة مركز النفوذ العسكري والصناعي والمالي
وفي دول العالم الثالث يبرز الجيش كعامل هيمنة لأن قوة الديمقراطية الناعمة لم تنضج بعد ولأن مراكز النفوذ الصناعي والمالي لم تتشكل بقوة العافعلية ؛ ولكنها مراكز نفوذ تصنعها الأنظمة ذاتها ؛ لذلك هي عالة على الدول والنظام غالبا وليست شريكا في التنمية.
وفي بلدنا موريتانيا جربت أنظمة عديدة خططها للهيمنه ففشلت فشلا ذريعا أدى لاختلال التوازن في مراكز النفوذ وانهيار النظام عبر سقوط رأسه بطريقة أو أخرى.
فليست الهيمنة هي أن تحكم قبصتك الأمنية على السلطة وأنت رأسها؛ وإنما هي تمكنك كرئيس من نسج شبكة أمان تحكم بها البلد بعد خروجك من السلطة ؛ عبر بناء نظام قوي أو عبر بناء الثقة مع رجال الصف الأول النافذ من حولك من الوطنيين لتحمي منجزاتك وتستمر مرتكزات هيمنتك بتناغم حيوي؛ وتحقق انتقالا سلسا للسلطة دون هزات غير متحكم فيها تربك وضع البلد كله كما حدث مع الرئيس السابق.
وللتعرف على ملامح خطط الهيمنة لابد أن نستعرض معا كيف حاولها الرئيس السابق وفشل.
دخل الرئيس السابق مربع الصراع على السلطة عام 2005دون خبرة سياسية ؛ وذلك مانعكس سلبا على أدائه خلف الستار مابين 2005 و2008 ؛ واحتل واجهة السلطة من 2009إلى 2019كرئيس منتخب.
وقد خطط للهيمنة على السلطة بطريقته الخاصة التي طبقت بعض قواعد الهيمنة وأخطأت في نسبة كبيرة من تلك القواعد الأساسية
لعبة الهيمنة لعبة متجردة أصلا من القيم لأنها تقوم على شطب كل من له منة عليك في الوصول إلى السلطة وكل من قد يشاركك القرار أو يؤثر عليك .
وليس مهما أن تقرب العباقرة والمثقفين الأذكياء لأنهم لايصلحون لتنفيذ مهمات لعبة الهيمنة القذرة .
فذلك أحد معايير وسائل الهيمنة في العالم الثالث ؛ في الوقت الذي تنتقي الأنظمة الواعية نخبا قادرة على صناعة الرأي العام والتأثير فيه ؛ وطواقم ذكية قادرة على الإنجاز .
ولذلك بادر ولد عبد العزيز إلى أقصاء رجلين صنعاه هما ابن عمه الرئيس في المرحلة الانتقالية اعل ولد محمد فال رحمه الله ؛ وهو ابن عمه الشقيق؛ ورجل آخر هو ابن عمه أيضا رجل الأعمال الثري محمد ولد بعماتو؛ تماما كمافعل السفاح مع قائد جيوش خراسان الذي وطد الحكم للعباسيين (أبومسلم الخرساني ) مع الفارق
لكنه بدأ السير في حقل الألغام السياسية المحلية والدولية بتهور .
محليا رفض الرجل التعاطي مع الطيف الوطني السياسي المؤدلج جميعا ؛ وسارع في حماية ظهره في المؤسسة العسكرية بإقصاء من لايثق فيه من نخبتها ؛ ثم ابتعد عنها معتمدا على قوة الحرس الرئاسي الذي أعاد تشكيله وتأهيله كقوة نوعية .
ولم يكن مهتما ببناء الثقة مع رجال الدولة من الجيش والأمن والمدنيين ؛ بل خلق صراعا داخليا بين الجميع ؛ كل في عقر داره.
وتحولت لعبة الهيمنة إلى جبل أخطاء يطول سبر كهوفه ؛حتى أزيح بخطة ناعمة من السلطة ؛ وطويت صفحته رغم ضخب ملف محاكمته.
لعب بكل البطاقات من أجل صناعة هيمنته لكن بطريقته الخاطئة ؛ وأدرك متأخرا أن تجاهل الطيف السياسي غلط ؛ لكن اختياره في آخر الطريق السياسي الموحش وقع على الشركاء السلبيين؛ ايرا وافلام وتواصل.
فقد نفذ انقلابا سياسيا سلم به زعامة المعارضة لتواصل ؛ ونفخ في رماد التطرف اللوني والشرائحي والثقافي بمنح أصحاب الابتزاز بخطاب الكراهية مزيدا من الأثمان السياسية دون التمكن من إغلاق أي ملف ؛ بل كان يفاقم كل ملف حاول تحييده.
اقتصاديا صعد الرجل فريقه دون اكتراث بمخاطر ذلك ؛ وكان يصنع أعداء من أصدقائه كل عام .
كان وجود الجنرال ولد الغزواني في قيادة الأركان عامل أمان لعزيز وللمؤسسة العسكرية عبر إدارته الهادئة لكل الملفات الحساسة ؛ لكنه كان يدرك أن صاحبه ذهب بعيدا في لعبة الهيمنة بصورة خاطئة .
ولم تكن محاولات عزيز في الوقت بدل الضايع مجدية قبيل التراجع عن الترشح لمأمورية ثالثة وأثناء الانتخابات الرئاسية وبعدها .
لقد حاول استرجاع هيمنة تتسرب من يده أمام عينيه ؛ وفشل؛ ثم اختار المواجهة في وقت تم تجريده فيه من كل أسباب قوته.
وهاهو فريقه الذي اختار لقيادة البلد يتسابق للشهادة ضده
فهل استوعب الرئيس ولد الغزواني الدرس ؛ وكيف ستكون لعبة الهيمنة عنده؟
إن كل محاولة للهيمنة تعتمد فقط على لعبة الكراسي المتحركة في المؤسسة العسكرية بتعيين رجال الرئيس الثقة وإقصاء من له وزن وشعبية لدى الجيش والشعب ؛ لايكفي لبناء شبكة الأمان طويلة الأمد ؛ ولا محاولة بناء أركان الهيمنة بفريق خاص من المقربين المدنيين من الرئيس أصلا ؛ ولا باللعب بكل البطاقات المحترقة سابقا في عهود مضت .
هناك ملامح تتضح شيئا فشيئا من خطة لعبة الهيمنة الجارية الآن ؛ لكنها ملامح تقليدية وإن اختلفت عن طريقة لعب عزيز إلى حد ما.
الرئيس ولد الغزواني بادر مبكرا لأعادة الثقة ولو صوريا في الطيف السياسي كله ؛ لكنه بدأ يختار شركاء منه سرا وعلنا قد لايناسبون لعبة الهيمنة التي يريد ؛ وتبدو بصمات الكادحين أكثر بروزا في النسيج المعمول عليه
وتتلاشى المسافة بينه مع الإسلامويين ؛ وللناصريين نصيب من سجاده الأحمر ؛ وينقسم البعثيون حوله بين داعم له ومتردد وحذر .
والجيش تتسارع وتيرة التقاعد في صفه الأول حسب المسطرة القانونية ؛ دون إعادة اشراك للمتقاعدين من نخبة الجنرالات في لعبة الهيمنة كما حدث مع الرئيس ذاته ومع معالي وزير الدفاع ؟رغم أن بعضهم ثقيل الوزن والمصداقية جماهيريا.
ومن لم يتقاعد سابقا أو في هذا العام من نخب الجنرالات ؛ سيتقاعد العام المقبل أو الذي بعده تزامنا مع انطلاق المأمورية الثانية للرئيس ولد الغزواني.
ولايظهر في الأفق جيل مدني يحمل ثقافة المواطنة وهم البلد ؛ فقد اقتصر صراع المدنيين على المناصب والثروة لاغير.
لعبة الهيمنة الداخلية هي مربط الفرس ؛ فإما أن تكون متوازنة وذكية تشرك رجال الشراكة الوطنية وتفرض توازنا سياسيا يكون طوق أمان للمأمورية الثانية وما بعدها ؛ أو العكس .
لاعيب أن يسعى أي نظام للهيمنة ليتمكن من خدمة الوطن بقوة ويعبر به إلى بر الأمان والتنمية الشاملة ؛
العيب أن تكون لعبة الهيمنة هي لصناعة مصالح رجال النظام فقط وحمايتها؛ لأن ذلك مستحيل أصلا.
فمن لعب تلك اللعبة سابقا تبخرت خططه وذابت كفص ملح في مياه التغيير الجارفة.
أما الشق الخارجي للعبة الهيمنة فقد أخطأ فيه الرئيس السابق تماما ؛ لذلك على الرئيس ولد الغزواني أن لا يخطئ فيه لأن ذلك يعني تقديم مزيد من التنازلات لرعاة مشاريع أحنبية تهدد ثوابتنا ووحدتنا الوطنية.
وتبقى المآلات هي الأهم ؛ وأرجو أن يكون مآل رئيسنا ورجاله وبلدنا وشعبنا خير مآل .
وذلك يتطلب إعادة تمحيص خطط الهيمنة حتى لايستحوذ الكادحون والحالمون بثروة الغاز على صناعة القرار ولعبة الهيمنة.
موريتانيا مابعد غزواني نريدها مختلفة تماما ومنسجمة على مسار التناوب السلمي على السلطة والتنمية والاستقرار.
ومن الأولويات أن تدرك النخبة الحاكمة أن بلدنا لم يعد يتحمل مزيدا من ضياع الوقت في الصراعات السلبية ؛ وأن حكم ولد الغزواني للبلد يلزم أن تكون فرصة للتغيير الإيجابي لاتمديدا لوهن الوطن وعبث المفسدين به
مركز دعم صناعة القرار
الرئيس عبد الله ولدبونا