sliderالأخبارالمغرب والساحل

المغرب… المحطة الجديدة للتنين الصيني نحو إفريقيا وأوروبا

الحرية نت -المغرب: لم تعد علاقة المغرب بالصين مجرّد تعاون اقتصادي عابر، بل تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى شراكة استراتيجية عميقة تمزج بين الطموحات الجيوسياسية والمصالح التجارية المتبادلة. هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة لرؤية مغربية واضحة، سعت إلى تنويع الشركاء الدوليين، واستثمار الموقع الجغرافي الحيوي للمملكة في قلب المعابر الدولية.

فمع إطلاق الصين لمبادرة “الحزام والطريق”، بدأ التنين الآسيوي في البحث عن نقاط ارتكاز جديدة خارج آسيا، يكون لها دور محوري في الربط بين أسواق الشرق والغرب، وبين المصانع والموانئ، وبين الموارد والأسواق. وقد وجد في المغرب ما يشبه “الحلقة الذهبية” التي تربط بين إفريقيا جنوب الصحراء، وأوروبا الغربية، والفضاء المتوسطي.

ميناء طنجة المتوسط، الذي تحوّل إلى أحد أهم الموانئ في إفريقيا ومنطقة المتوسط، لعب دورًا محوريًا في هذا التوجه. بفضل بنيته التحتية المتطورة، واتصاله المباشر بالموانئ الكبرى في الصين، بات يشكّل مركزًا لوجستيًا عالي الكفاءة يسمح بانسيابية حركة البضائع نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية في آن واحد. وهذا ما جعل الشركات الصينية تنظر إلى طنجة كمركز تصنيع وتوزيع استراتيجي.

واحدة من أبرز تجليات هذه العلاقة المتصاعدة، مشروع “طنجة تيك”، المدينة الصناعية التي من المرتقب أن تحتضن عشرات الشركات الصينية في مجالات متعددة تشمل الصناعة الإلكترونية، السيارات، الطاقة المتجددة، وغيرها. المشروع يُعد تجسيدًا ملموسًا للثقة الصينية في البيئة الاستثمارية المغربية، رغم ما عرفه من تأخير وتحديات في بداياته.

لكن الشراكة بين الرباط وبكين لم تتوقف عند حدود الصناعة أو البنية التحتية، بل امتدت إلى مجالات أكثر تنوعًا، مثل التعليم العالي، التكنولوجيا المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، وحتى الصحة، حيث تم التعاون في مجالات اللقاحات خلال أزمة كوفيد-19. وافتُتحت مراكز تعليم اللغة والثقافة الصينية في عدد من المدن المغربية، في إطار ما يشبه “التقارب الناعم” الذي يعزز التفاهم الثقافي بين الشعبين.

الأمر اللافت أيضًا هو نجاح المغرب في الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته الدولية، فهو يفتح أبوابه للاستثمارات الصينية دون أن يؤثر ذلك على شراكاته التاريخية مع أوروبا أو الولايات المتحدة. هذا الحياد الإيجابي يمنح للمستثمر الصيني ضمانات إضافية للعمل في بيئة مستقرة ومرنة.

من زاوية أوسع، يمكن اعتبار ما يحدث اليوم بمثابة تحول في هندسة العلاقات الاقتصادية العالمية، حيث لم تعد القوى الكبرى تكتفي بالتعامل مع المراكز التقليدية، بل بدأت تتوجه إلى دول الجنوب الصاعدة، التي أثبتت قدرتها على لعب أدوار ريادية، والمغرب من بين هذه الدول القليلة التي نجحت في التموقع بذكاء في قلب هذه التحولات.
المغرب لم يعد فقط جسرًا جغرافيًا بين قارتين، بل أصبح حلقة وصل اقتصادية، ثقافية، واستراتيجية بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب. وما زالت الفرص أمامه واسعة لترسيخ هذا الدور، خاصة إذا ما تم الاستثمار أكثر في الرأسمال البشري، وتعزيز قدرات التفاوض مع الشركاء الدوليين بما يخدم المصالح الوطنية على المدى البعيد.
محمد الحبيب هويدي -مراسل وكالة الحرية نت -المغرب

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى