تقاريرمقالات ورأي

ليبيا بعد قرار الكونغرس الأمريكي بالاستقرار

أصدر الكونغرس الأمريكي قانون ينص على دعم الاستقرار في ليبيا بعد سلسلة لقاءات في بوزنيقة بالمغرب والحوار في تونس واجتماعات 5+5 للجنة العسكرية كل هذه التطورات تحدث مع تراجع الخيارات العسكرية التي كانت بعض الدول المتدخلة في ليبيا تدفع باتجاهها لتصفية حسابات إقليمية فما الذي تغيير منذ عام 2011 عندما تدخلت فرنسا والناتو للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي الذي حكم طوال 42 عام .
مشروع الإطاحة بالقذافي كان قرار غربي بتحريض فرنسي بعدما أسس تجمع ” س ص ” والاتحاد الافريقي ووضع يده على القارة الأفريقية ومنابع الاقتصادها ” ذهب مالي، يورانيوم النيجر ،كاكاو ساحل العاجل ،خشب الكونغو وبترول الغابون ” وسعيه لتطوير القارة وصولا للولايات المتحدة الافريقية والدينار الافريقي وجواز السفر الإفريقي وأصبح المتحدث باسم القارة وهو ما اعتبرته باريس سحب البساط من تحت أقدامها فقرروا الاستعانة بالناتو عسكريا و بقطر وقناتها الجزيرة إعلاميا وبجماعة الإخوان وتحريض المعارضين وشراء ذمم بعض معاونيه ميدانيا فاندلعت ثورة 17 فبراير ولم يكن لفرنسا في عهد ساركوزي مشروع لما بعد الاطاحة بالقذافي وبعد هزيمته وضع الرئيس هولاند الملف الليبي بيد وزير دفاعه الذي أصبح لاحقا و زير خارجية الرئيس الحالي ماكرون فقرر منذ عام 2014 الاستعانة بالامارات والسعودية ومصر وروسيا لتنصيب اللواء خليفة حفتر لأن باريس لاتريد دولة مؤسسات و لا ديمقراطية في ليبيا بل مزرعة يحكمها عسكري قوي يحقق لها مشاريعها الاستعمارية مقابل تثبيته في الحكم وتحكم عاىلته في المشهد فاستخدم قباىل ضد أخرى ومكونات لمحاربة أخرى و تحالف المعارضين لسياسته وطلبوا دعما تركيا وخلال فترة حكم ترامب أنقسمت أميركا حول الملف الليبي فانحاز البيت الأبيض للمشروع الفرنسي الداعم لحفتر ومنحه ضوء أخضر لمهاجمة العاصمة طرابلس بينما انحازت الدولة العميقة والمؤسسة الأمنية لحكومة السراج ودعم تركيا لطرده نحو الشرق الليبي .
بدأت واشنطن منذ عام 2018 تستخدم إيطاليا وتركيا والمغرب لسحب البساط من تحت أقدام المشروع الفرنسي فكان اتفاق الصخيرات الذي منح المجلس الرىاسي لحكومة الوفاق بقيادة السراج شرعية أممية وبدأت رياح الأمور تجري بما لا تشتهي سفن باريس وأدواتها لأن أميركا تنظر إلى ليبيا وأقاليمها الثلاثة ” برقة فزان طرابلس ” على أنها بوابات المنطقة فإقليم برقة البوابة الغربية للمشرق العربي وطرابلس البوابة الشرقية للمغرب الكبير وفزان البوابة الشمالية للساحل والصحراء ومن خلال موقع ليبيا المتوسطي والجيوساسي تحاول واشنطن بناء استراتيجيتها الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والمغرب الكبير .

الآن الملف الليبي في عهد إدارة بايدن هاريس سيدار بالتنسيق بين مكتب ناىبة الرىيس كاملا هاريس وبين توصيات لجنتي الشؤون الخارجية والأمن بالكونغرس الذين يعتمدون على توصيات خبراء في الشؤون المغاربية والإفريقية يرفعون توصياتهم عبر مراكز الدراسات المرتبطة بالمؤسسات ضمن سياق السياسة الخارجية لإدارة بايدن هاريس في الشرق الأوسط والمغرب الكبير والتي تأخذ بعين الإعتبار مصالح حلف الناتو الذي تمثله تركيا الأطلسية و مصالح الحركة الأمازيغية وثقافة التأخي المسلم اليهودي في المنظومة الأمازيغية الذي أصبح سمة يهود ومسلمو أميركا ومنع التغلغل الروسي وسوف يتم استخدام القوى الإقليمية في حل الملفات الليبية على النحو التالي تركيا للمسار العسكري والمغرب السياسي وإيطاليا الاقتصادي .

وسوف تحدد أميركا للدول المتدخلة أحجامها وادوارها في كل إقليم وهو ما قد يدفع بعضها لتغيير تحالفاتها الليبية لجهة النأي بالنفس عن المشروع الفرنسي الذي يمثله حفتر وأدواته فمصر ستجد من مصلحتها أخذ عائلة القذافي وأتباعه بقيادة سيف الاسلام القذافي وأحمد قذاف الدم بعيدا عن نرجسية حفتر وتبحث عن اصدقاء جدد في غرب وجنوب ليبيا يبنون للقاهرة قنوات مع الدوائر الضيقة لصناعة القرار في إدارة بايدن هاريس لتخرج من المستنقع الليبي الذي وضعها فيه الطمع بالمال الاماراتي كما ستتجه تركيا جنوبا لإقليم فزان لبناء صداقات مع قبائل الطوارق أحد مفاتيح العلاقة مع الحركة الأمازيغية قوية النفوذ في الدوائر الضيقة لصناعة القرار في إدارة بايدن هاريس لامتصاص بعض غضب الرئيس بايدن من سياسات اردوغان كما سيجد المغرب من مصلحته دعم حراك لا للتمييز الذي يقوده الطوارق في فزان لمنع الجزاىر من احتكار ورقة الطوارق التي تستخدمها سلبيا في مالي مثلما تستخدم ملف البولساريو لمصالحها الجيوسياسية وكانت الجزاىر تتنافس مع القذافي على الملفين الأزوادي والصحراوي قبل ثورة 17 فبراير.

وستعمل واشنطن عبر سفارتها في ليبيا وقنصليتها في بنغازي و في الإقليم على التواصل مع جميع الفاعلين في ليبيا للتقريب بينهم وسن دستور جديد للبلاد ينص على وحدة ليبيا أرضا وشعبا كدولة فدرالية بين اقاليمها الثلاث لكل إقليم حكومته المحلية وبرلمانه المحلي وقانون جنسية خاص به يأخذ بعين الاعتبار الامتدادات الطبيعية للقباىل في دول الجوار ويسمح بازدواج الجنسية بحيث يمكن لإقليم برقة تجنيس مصريين سودانيين من أقارب القباىل فيه وكذلك يمكن لإقليم فزان تجنيس الطوارق من مالي والنيجر والجزائر أقارب طوارق ليبيا وتجنيس البرابيش والموريتانيبن أقارب قباىل اولاد سليمان والطرشان والحساونة ويمكن لإقليم طرابلس تجنيس التونسيين عرب وامازيغ لأن ليبيا دولة بحجم قارة صغيرة مثل نيوزيلاند بحاجة للكفاءات والعمالة الماهرة من محيطها الجغرافي كما أن كل قبيلة بحاجة لعمقها و امتداداتها لتفعيل دورها داخليا وستكون قيادة إقليم فزان بوابة الساحل والصحراء للطوارق مثل قيادة الأكراد لإقليم كوردستان العراق مدعومين بالقباىل العربية لتمكين ليبيا من لعب دور قيادي في المنطقة والصعود كقوة مغاربية ومنع بعض دول الجوار من الطمع في السيطرة أو بسط النفوذ على القرار الوطني الليبي المستقل واستفادة أميركا من قضية الطوارق للتغلغل في إفريقيا وكسب منتقدي وأعداء فرنسا في تنافس القوى الكبرى على المنطقة
وان الغرب بحاجة لاستخدام ليبيا واقاليمها وامتدادات قباىلها لخدمة مصالحه في الشرق الأوسط والمغرب الكبير والساحل الافريقي .

والفرصة التي تراها إدارة بايدن هاريس انسب من غيرها لتحقيق ذلك تحقيق مطالب حراك لا للتمييز الذي يقوده الطوارق في الجنوب الليبي وتحقيق مطالب قباىل الشرق في برقة وتحقيق مطالب امازيغ جبل نفوسة وكلها تدعوا لرفع الغبن وإنهاء التمييز وتوفير الجنسية والمواطنة والعمل والعفو الشامل عن عاىلة القذافي وعودتهم للعمل تحت سقف الدستور الجديد لمنع التدخلات الإماراتية السلبية في المشهد الليبي بحيث تستطيع قبيلة القذاذفة ترشيح سيف الاسلام القذافي كرئيس حكومة محلية لأحد الأقاليم وأحمد قذاف الدم ممثل لها في البرلمان أو المجلس الأعلى للدولة بدون فيتو من اي طرف فالليبيون يحبون أن يحكمهم قانون الرحمة والعفو عند المقدرة وليس شريعة قصاص الانتقام وتصفية الحسابات السياسية وبالتالي يحتاج الليبيون لنشر ثقافة الرحمة والتكافل وتكاتف المكونات والقبائل مع بعضها وهو ما سيجلب الاستقرار والتقدم للبلاد ويحقق المصالح الغربية في الشرق الأوسط والمغرب الكبير.

بقلم : أبوبكر الأنصاري
خبير في الشؤون المغاربية

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى