مقالات ورأي

مسير الأربعاء المبارك/ محمد فاضل الهادي

لا تتوفر الفرصة لمعرفة معادن الرجال إلا في أوقات الشدة و أوقات الحزن، و لا يميزون عن أشباههم إلا في المواقف الإنسانية و مواقف الصلابة و الحزم و الشدة و العزم و الكرم.

و ليس هناك صورة أبلغ في هذا المقام من صورة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز و هو يتهيأ لمسير الأربعاء المبارك، وهو يبعث رسائل الوطنية و دولة القانون لمن لعبوا بها و تلاعبوا، و هو يقول لرفاق الأمس، أعطيتكم الدروس و أنا قائدكم و ها أنذا أعطيها لكم و أنتم تقودون، أو تحاولون القيادة على الأصح، تعلمتم مني دروسا في الصبر، و دروسا في الشجاعة، و دروسا في الإقدام، و دروسا في حسن التقدير، و دروسا في الحزم، و أخرى في النبل، و ها هي الفرصة أتت لتتعلموا مني دروسا في التعاطي مع الحزن، الذي يعتصر كل مكلوم فاقد للسند، و يقال أن أكبر سند للإنسان أمه، و ها هي الغالية ترحل، و ها أنتم تنظرون لتتعلموا كيف تتعاملون مع مثل هذه الأحداث التي قل من يتحملها، قل من يتحمل فراق الحبيبة الغالية، حتى و لو كان فراقها على ذراعيه، و كانت تقول له في آخر كلماتها، حفظك الله بني، أحرى أن يفارق الحياة بعيدا عنه، و هو يجابه منظومة متكاملة، لكنها ضعيفة، بلا حجة و بلا عقد اجتماعي، و بلا أخلاق و بلا مكانة و لا حظوة بين الناس.

نعم .. القائد محمد ولد عبد العزيز مدرسة، يتعلم منها كهول الحكم اليوم، دروسا ستبقى خالدة في التاريخ، لقد طلب منكم ذات يوم أن تسمحوا له بزيارتها فرفضتم، ثم ما لبثت أن رحلت، ورغم ذلك كله، ها هو يستعد للسير إليكم بكل شجاعة و كل اقدام و لما بعد يواري جثمان الغالية الثرى.

ها هو يقدم لكم من الدروس ما أنتم بحاجة إليه، ترى أعزاءي ما شعوركم و أنتم تعيشون هذا الموقف ؟

أنت أيها الرئيس النائم ؟

أنت أيها الوزير المنتشي الحالم بالسلطة؟

أنت أيها الفريق الجاثم على صدور الأبطال؟

أنت أيها الفريق المتقاعس عن عملك الأمني؟

ما قولكم، ما ردكم، ما شعوركم؟ لا أعتقد أنكم مرتاحون لما يجري، لا أحسبكم، بطبعكم، و تكوينكم، تنامون نوما هنيئا بعد كل هذا، فالجندية تعلم النبل، تعلم الاخلاق، تعلم القيم، تعلم المروءة، لكنها أبدا لا تعلم الغدر، لا تعلم الخيانة، لا تعلم نكران الجميل، و لا نسيان الرفاق.

تلك الدروس التي تعلمناها ونحن صغار، نسترق السمع من وراء الجدار، وننظر من فجوة به قد صنعها الزمن، تلك العبارات الخالدة، الوصايا النبيلة، تلك التي كنا نطبقها يوما في الكشافة ونحن نسير من مكتب مدير المدرسة إلى ساحتها، حيث العلم ينتظر بفارق الصبر أيادينا البيضاء، ونحن صغار، لنرفعه، وكل واحد منا يتذكر كيف كان يرفع في مدرستكم العتيدة على التلة البارزة من فوق مساكن مدينة أطار العتيدة، كيف كان الجنود صفا كالبنيان، لا أحقاد، لا حسد، لا نكران، لا ظلم، لا تعسف، تلك هي الحياة الحقيقية للجندي، للضابط، للضابط السامي.

فهل ذهب كل هذا سدا، وبقي فقط، التحامل على الرفيق، اتهامه، ظلمه، حرمانه من أبسط الحقوق، نكران ما قدم، تضييق الخناق عليه، تسفيهه، وهو القائد الذي جعلكم تفخرون اليوم بالجيش، بعدما أن كان “قمامة محروسة” على لسان أحدكم يوم “أمس”.

لا أدري ما أقول، اللهم لا تجعلني في الموقف الذي جعلتهم فيه، ولا تريني رفيقا يفعل كما ما يفعلون اليوم. اللهم آمين.

مسيرة الأربعاء المباركة وحدها ما يجعل الجنرال، القائد، الرئيس، الأخ، الزميل، الرفيق محمد ولد عبد العزيز يستحق كل هذه الصفات وأكثر.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

محمد فاضل الهادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى